للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَدِيعَةِ، صَحَّ منه الالْتِقاطُ، كالحُرِّ. وقولُهم: إن العَبْدَ ليس من أهْلِ الوِلَاياتِ والأمَاناتِ. يَبطُلُ بالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ، فإنَّهما أدْنَى حالًا منه في هذا. وقولُهم: إنَّ العَبْدَ لا يَمْلِكُ. مَمْنُوعٌ، وإن سَلَّمْنا، فإنَّه يَتَمَلَّكُ لِسَيِّدِه، كما يَحْصُلُ [بسائِرِ الاكتِسابِ] (٩)، ولأنَّ الالْتِقاطَ تَخلِيصُ مالٍ من الهَلَاكِ، فجازَ من العَبْدِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، كإنْقاذِ المالِ الغَرِيقِ والمَغْصُوبِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنِ الْتَقَطَ العَبْدُ لُقَطةً كانت أمَانةً في يَدِه، إن تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ في حَوْلِ التَّعْرِيفِ، يَضْمَنْ، وإن تَلِفَتْ بتَفْرِيطٍ (١٠) أو إتْلَافٍ، وَجَبَ ضَمانُها في رَقبَتِه، كسائِر جِنَاياتِه. وإن عَرَّفَها، صَحَّ تَعْرِيفُه؛ لأنَّ له قَوْلًا صَحِيحًا، فصَحَّ تَعْرِيفُه، كالحُرِّ، فإذا تَمَّ حَوْلُ التَّعْرِيفِ، مَلَكَها سَيِّدُه؛ لأنَّ الالْتِقاطَ كَسْبُ العَبْدِ، وكَسْبُه لِسَيِّدِه. وإن عَلِمَ السَّيِّدُ بِلُقَطَةِ عَبْدِه، كان له انْتِزَاعُها منه؛ لأنَّها من كَسْبِ العَبْدِ، ولِلسَّيِّدِ انْتِزاعُ كَسْبِه من يَدِه، فإذا انْتَزَعَها بعدَ أن عَرَّفَها العَبْدُ مَلَكَها، وإن كان لم يُعَرِّفْها، عَرَّفَها سَيِّدُه حَوْلًا كامِلًا، وإن كان العَبْدُ قد عَرَّفَها بعضَ الحَوْلِ، عَرَّفَها السَّيِّدُ تَمَامَه. فإن اخْتارَ السَّيِّدُ إقْرارَها في يَدِ عَبْدِه، نَظَرْتَ؛ فإن كان العَبْدُ أمِينًا جازَ، وكان السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِعَبْدِه في حِفْظِها، كما يَسْتَعِينُ به في حِفْظِ مالِه، وإن كان العَبْدُ غيرَ أمِينٍ، كان السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بإقْرَارِها في يَدِه، ولَزِمَه ضَمَانُها، كما لو أخَذَها من يَدِه ثم رَدَّها إليه؛ لأنَّ يَدَ العَبْدِ كيَدِه، وما يَسْتَحِقُّ بها فهو لِسَيِّدِه. وإن أعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَه بعدَ الالْتِقاطِ، فله انْتِزَاعُ اللُّقَطةِ من يَدِه؛ لأنَّها من كَسبِه، وأكْسابُه لِسَيِّدِه. ومتى عَلِمَ العَبْدُ أن سَيِّدَه غيرُ مَأْمُونٍ عليها، لَزِمَه سَتْرُها عنه، وتَسلِيمُها إلى الحاكِمِ، لِيُعَرِّفَها، ثم يَدْفَعها إلى سَيِّدِه بِشَرْطِ الضَّمانِ. فإن أعْلَمَ سَيِّدَه بها، فلم يَأْخُذْها منه، أو أخَذَها فعَرَّفَها وأدَّى الأمَانةَ فيها فتَلِفَتْ في الحَوْلِ الأوَّلِ بغير تَفْرِيطٍ (١١)، فلا ضَمَانَ فيها؛ لأنَّها لم تَتْلَفْ بِتَفْرِيطٍ


(٩) في الأصل: "سائر الاكتسابات".
(١٠) في م: "بتفريطه".
(١١) في م: "تفريطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>