للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإشْهادِ العُدُولِ. وقال سُبْحانَه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (١٠). واعْتبرَ الرِّضىَ بالشُّهداءِ، فقال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (١١). فيجِبُ نَقْضُ الحُكمِ لفوَاتِ العدالةِ، كما يجبُ نَقْضُه لِفَوات الإِسْلامِ؛ ولأنَّ الفِسْقَ معنًى لو ثَبَتَ عندَ الحاكمِ قَبْلَ الحُكمِ مَنَعَه، فإذا شهِدَ شاهدان أنَّه كان مَوْجودًا حالةَ الحُكْمِ، وجَبَ نَقْضُ الحُكمِ، كالكُفرِ والرِّقِّ فى العُقوباتِ. إذا ثبَتَ هذا، فإِنَّ أبا حنيفةَ قال: لا يَسْمَعُ الحاكمُ الشَّهادةَ بفِسْقِ الشاهِدَيْنِ، لا قبلَ الحُكمِ ولا بعدَه. ومتى جرَّحَ المشْهودُ عليه (١٢) البَيِّنَةَ، لم تُسْمعْ بَيِّنتُه بالفِسْقِ، ولكنْ يُسْألُ عن الشاهِدَيْنِ، ولا تُسْمَعُ على الفِسْقِ شَهادةٌ؛ لأنَّ الفِسْقَ لا يتَعلَّقُ به حقُّ أحدٍ، فلا تُسْمعُ فيه الدَّعْوَى والْبَيِّنَةُ. ولَنا، أنَّه معنًى يتعلَّقُ الحكمُ به، فسُمِعتْ فيه الدَّعْوَى والبَيِّنَةُ، كالتَّزْكِيَةِ. وقولُه: لا يتعلَّقُ به حقُّ أحدٍ. مَمْنوعٌ؛ فإن المشهودَ عليه يتعلَّقُ حَقُه بفِسْقِه (١٣) فى مَنْعِ الحُكمِ عليه قبلَ الحكمِ، ونَقْضِه بعدَه، وتَبْرِئتِه من أخْذِ مالِه أو عُقوبتِه بغيرِ حَقٍّ، فوجبَ أن تُسْمعَ فيه الدَّعْوَى والْبَيِّنَةُ، كما لو ادَّعَى رِقَّ الشاهِدِ (١٤) ولم يَدَّعِه لنفْسِه، ولأنَّه إذا لم تُسْمعِ البَيِّنَةُ بالفِسْقِ (١٥)، أدَّى إلى ظُلْمِ المشْهودِ عليه؛ لأنَّه يُمْكِنُ أن لا يَعْرِفَ. فِسْقَ الشاهِدَيْنِ إِلَّا شُهودُ المشْهودِ عليه، فإذا لم تُسْمعْ شهادتُهم، وحُكِمَ عليه بشهادةِ الفاسِقَيْن، كان ظالمًا له. فأمَّا إن قامتِ البَيِّنَةُ أنَّه حكَمَ بشهادةِ والِديْنِ، أو وَلدَينِ، أو عَدُوَّيْنِ، نَظَر (١٦) فى الحاكِمِ الذى حَكَمَ بشهادتِهما، فإن كان ممَّن يَرَى الحُكْمَ به، لم يُنْقَضْ حكمُه؛ لأنَّه حَكَمَ باجْتهادِه فيما يَسُوغُ فيه الاجْتِهادُ، ولم يُخالِفْ نَصًّا ولا إجماعًا. وإن كان ممَّن لا يَرَى الحُكْمَ بشهادتِهم، نَقَضَه؛ لأنَّ الحاكمَ به يعْتقِدُ بُطْلانَه. والفَرْقُ بين المالِ والإِتْلافِ، أَنَّ المالَ إن كان باقيًّا، وجبَ رَدُّه إلى صاحبِه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ أحقُّ بمالِه. وإن كان تالِفًا،


(١٠) سورة الطلاق ٢.
(١١) سورة البقرة ٢٨٢.
(١٢) فى الأصل زيادة: "دعا".
(١٣) فى أ: "بنفسه".
(١٤) فى م: "الشاهدين".
(١٥) فى م: "الفسق".
(١٦) فى م: "نظرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>