للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"البَيِّنَة عَلَى المُدَّعِى" (٢). ولأنَّ صِفَةَ المُدَّعِى لا يَسْتَحِقُّ بها كالمَغْصُوبِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإنْ جَاءَكَ أحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا، فَادْفَعْها إلَيهِ" (٣). قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا الثابِتُ عن رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبه أقولُ. ورَوَاه ابنُ القَصَّارِ (٤): "فَإنْ جَاءَ بَاغِيَها، وَوَصَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْها إلَيْهِ". وفى حَدِيثِ زَيْدٍ الذي ذَكَرْناه: "اعْرفْ وِكَاءَهَا وعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْها سَنَةً، فإنْ لَمْ تُعْرَفْ، فَاسْتَنْفِقْهَا، وإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَأَدِّها إلَيْهِ" (٣). يَعْنِى إذا ذَكَرَ صِفَاتِها؛ لأنَّ ذلك هو المَذْكُورُ في صَدْرِ الحَدِيثِ، ولم يَذْكُرِ البَيِّنةَ في شيءٍ من الحَدِيثِ، ولو كانت شَرْطًا لِلدَّفْعِ، لم يَجُزِ الإِخْلَالُ به، ولا أمَرَ بالدَّفْعِ بدُونِه، ولأنَّ إقَامةَ البَيِّنةِ على اللُّقَطَةِ تَتَعَذَّرُ؛ لأنَّها [إنَّما سَقَطَتْ] (٥) حالَ الغَفْلَةِ والسَّهْوِ، [فَتوْقيفُ دَفْعِها عليها] (٦) مَنْعٌ لِوُصُولِها إلى صاحِبِها أبدًا، وهذا يُفَوِّتُ مَقْصُودَ الالْتِقاطِ، ويُفْضِى إلى تَضْيِيعِ أمْوالِ الناسِ، وما هذا سَبِيلُه يَسْقُطُ اعْتِبارُ البَيِّنةِ فيه، كالإِنْفَاقِ على اليَتِيمِ، والجَمْعُ بين هذا القولِ وبينَ تَفْضِيلِ الالْتِقاطِ على تَرْكِه مُتَنَاقِضٌ جدًّا؛ لأنَّ الالْتِقاطَ حينئذٍ يكونُ تَضْيِيعًا لمالِ المُسْلِمِ يَقِينًا، وإتْعابًا لِنَفْسِه بالتَّعْرِيفِ الذي لا يُفِيدُ، والمُخاطَرَةِ بِدِينِه بِتَرْكِه الواجِبَ من تَعْرِيفِها، وما هذا سَبِيلُه يَجِبُ أن يكونَ حَرَامًا، فكيف يكون فاضِلًا. وعلى هذا نقولُ: لو لم يجِبْ دَفْعُها بالصِّفَةِ، لم يَجُزِ الْتِقاطُها؛ لما ذَكَرْناه، وقولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَيِّنةُ عَلَى المُدَّعِى". يَعْنِى إذا كان ثَمَّ مُنْكِرٌ؛ لِقَوْلِه في سِيَاقِه: "والْيَمِينُ عَلَى مَنْ أنْكَرَ". ولا مُنْكِرَ ههُنا، على أنَّ البَيِّنةَ تَخْتَلِفُ، وقد جَعَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيِّنةَ مُدَّعِى اللُّقَطَةِ وَصْفَها، فإذا وَصَفَها فقد


(٢) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٢٥.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٢٩٠.
(٤) لعله يعني أبا إسحاق إبراهيم بن عبد اللَّه الأصبهانى المعدل القصار، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. انظر: الأنساب ١٠/ ١٦٣، ١٦٤.
(٥) في الأصل: "تسقط".
(٦) في م: "فتوقف دفعها"

<<  <  ج: ص:  >  >>