للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَرِيحَ يَعْلَمُ أنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عن (١٩) غَسْلِ (٢٠) الجُرْحِ، والعادِمُ لِما يَكْفِى جميعَ أعْضَائِهِ لا يعلمُ القَدْرَ الذي يَتَيَمَّمُ له إلا بعدَ اسْتِعْمَالِ الماءِ وفَرَاغِهِ، فلَزِمَهُ تَقْدِيمُ اسْتِعْمَالِه. وإنْ كان الجَرِيحُ يَتَطَهَّرُ لِلْحَدَثِ الأصْغَرِ، فذَكَرَ القاضي أنَّه يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ، فيَجْعَلُ التَّيَمُّمَ في مكانِ الغُسْلِ الذي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عنه، فإنْ كان الجُرْحُ في وَجْهِهِ بحيثُ لا يُمْكِنُه غَسْلُ شيءٍ منه، لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ أَوَّلًا، ثم يَتَيَمَّمُ للوُضُوءِ. وإنْ كان في بعضِ وَجْهِهِ خُيِّرَ بينَ غَسْلِ صَحِيحِ وَجْهِهِ ثم تَيَمَّمَ، وبينَ أنْ يَتَيَمَّمَ ثم يَغْسِلَ صَحِيحَ وَجْهِه ويُتَمِّمَ وُضُوءَهُ. وإنْ كانَ الجُرْحُ في عُضْوٍ آخَر، لَزِمَهُ غَسْلُ ما قَبْلَهُ، ثم كان فيه على ما ذكرْنا في الوَجْهِ. وإن كان في وَجْهِهِ ويَدَيْهِ ورِجْلَيْه، احْتَاجَ في كُلِّ عُضْوٍ إلى تَيَمُّمٍ في مَحَلِّ غَسْلِه، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ. ولو غسلَ صَحِيحَ وَجْهِهِ، ثم تَيَمَّمَ له ولِيَدَيْهِ تَيَمُّمًا واحِدًا، لم يُجْزِهِ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى سُقُوطِ الفَرْضِ عن جُزْءٍ مِن الوَجْهِ واليَدَيْنِ في حالٍ (٢١) واحدةٍ. فإنْ قِيل: يَبْطُلُ هذا بالتَّيَمُّمِ عن جُمْلَةِ الطهارةِ، حيثُ يَسْقُطُ الفَرْضُ عن جَمِيعِ الأعْضَاءِ جُمْلَةً واحِدَةً. قُلْنَا: إذا كان عن جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ، فالحُكْمُ لها (٢٢) دُونَها، وإنْ كان عن بَعْضِها، نابَ عن ذلك البَعْضِ، فاعْتُبِرَ فيه ما يُعْتَبَرُ فيما يَنُوبُ عنه مِن التَّرْتِيبِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجِبَ هذا التَّرْتِيبُ؛ لأنَّ التَيمُّمَ طهارةٌ مُفْرَدَةٌ، فلا يجبُ التَّرْتِيبُ بينَها وبَيْنَ الطَّهَارَةِ الأُخْرَى، كما لو كان الجَرِيحُ جُنُبًا، ولأنَّه تَيَمَّمَ عَن الحَدَثِ الأَصْغَرِ، فلم يَجِبْ أنْ يَتَيَمَّمَ عن كُلِّ عُضْوٍ في مَوْضِعِ غَسْلِهِ، كما لو تَيَمَّمَ عن جُمْلَةِ الوُضُوءِ، ولأنَّ في هذا حَرَجًا وضَرَرًا، فَيَنْدَفِعُ بقَوْلِه تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢٣). وحَكَى المَاوَرْدِىُّ، عن مَذْهَبِ الشَّافِعِىِّ مِثْلَ هذا. وحَكَى ابنُ الصِّبَّاغِ (٢٤) عنه مِثْلَ القَوْلِ الأوَّلِ.


(١٩) في م: "على".
(٢٠) سقط من: الأصل.
(٢١) في م: "حالة".
(٢٢) في الأصل: "له".
(٢٣) سورة الحج ٧٨.
(٢٤) أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، ابن الصباغ، الشافعي، صاحب "الشامل" في فقه =

<<  <  ج: ص:  >  >>