للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَى قومًا من بيتِ مالِ المسلمين، قُتِلُوا مُدْبِرين. وعن أبي أُمامَةَ، أنَّه قال: شَهِدتُ صِفِّينَ، فكانوا لا يُجِيزونَ على جَرِيحٍ، ولا يَقْتُلُونَ مُولِيًا، وَلا يَسْلِبون قتيلًا (٩). وقد رَوَى (١٠) القاضِي، في "شَرحِه"، عن عبدِ اللَّه بنِ مسعودٍ، أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى عَلَى أُمَّتِي؟ " فقلتُ: اللهُ ورسولُه أعْلَمُ. فقال: "لَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُجَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُقْسَمُ فَيْئُهُمْ" (٩). ولأنَّ المقصودَ دَفْعُهم وكَفُّهم، وقد حصَلَ، فلم يَجُزْ قَتْلُهم، كالصائلِ. ولا يُقْتَلُون لما يُخَافُ في الثاني، كما لو لم تكُنْ لهم فِئَةٌ. إذا ثبتَ هذا، فإنْ قتلَ إنسانٌ مَنْ (١١) مُنِعَ مِنْ قَتلهِ، ضَمِنَه؛ لأنَّه قتلَ مَعْصومًا، لم يُؤْمَرْ بقتلِه. وفي القِصاصِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، يجبُ؛ لأنَّه مُكافِىءٌ مَعْصومٌ. والثاني: لا يجبُ؛ لأنَّ في قَتْلِهم اخْتِلافًا بينَ الأئِمَّةِ، فكانَ (١٢) ذلك شُبْهَةً دارِئَةً للقِصاصِ (١٣)؛ لأنَّه ممَّا يَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ. وأمَّا أسِيرُهم، فإنْ دخلَ في الطَّاعَةِ، خُلِّيَ سبيلُه، وإنْ أَبَى ذلك، وكان رجلًا جَلْدًا من أهلِ القتالِ، حُبِسَ ما دامتِ الحربُ قائمةً، فإذا انْقَضتِ الحربُ، خُلِّيَ سَبيلُه، وشُرِطَ عليه أنْ لا يعودَ إلى القتالِ، وإنْ لم يكُن الأسيرُ من أهلِ القتالِ، كالنِّساءِ والصِّبيانِ والشُّيوخِ الفَانِينَ، خُلِّيَ سبيلُهم، ولم يُحْبَسُوا، في أحَدِ الوَجْهَيْن. وفي الآخَرِ، يُحْبَسون؛ لأنَّ فيه كسرًا لِقُلوبِ البُغاةِ. وإن أَسَرَ كلُّ واحدٍ من الفَرِيقَيْن أُسارَى من الفريقِ الآخَرِ، جازَ فِداءُ أُسَارَى أهلِ العدلِ بأُسارَى أهلِ البَغْيِ. وإن قَتَلَ أهلُ البَغْيِ أُسَارَى أهلِ العدلِ، لم يَجُزْ لأهِل العَدْلِ قَتْلُ أُسَارَاهم؛ لأنَّهم لا يُقْتَلونَ


(٩) أخرجهما البيهقي، في: باب أهل البغي إذا فاءوا. . ., من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى ٨/ ١٨٢. والحاكم، في: باب حكم البغاة من هذه الأمة، من كتاب قتال أهل البغي. المستدرك ٢/ ١٥٥.
(١٠) في م: "ذكر".
(١١) في م: "مع" تحريف.
(١٢) في ب زيادة: "في".
(١٣) في ب: "القصاص".

<<  <  ج: ص:  >  >>