للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِصاصُ، كما لو كان مُشارِكًا في مِلْكِ الجارِيةِ ووَطْئِها، ولأنَّه مَحَلٌّ يَمْلِكُ بعضَه، فلم تجبِ العُقوبةُ المُقَدَّرَةُ باسْتِيفائِه كالأصْلِ. ويُفارِقُ إذا قَتَلَ الجماعةُ واحدًا، فإنَّا لا نُوجِبُ القِصاصَ بقَتْلِ بعضِ النَّفْسِ، وإنَّما نَجْعَلُ كلَّ واحدٍ منهم قاتِلًا لجميعِها، وإن سَلَّمْنا وُجُوبَه عليه لقَتْلِه بعضَ النَّفْسِ، فمِن شَرْطِه (١٢) المُشارَكةُ لمَن فَعَلَهُ، كَفِعْلِه في العَمْدِ والعُدْوانِ، ولا يتَحَقَّقُ ذلك (١٣) ههُنا. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ للوَلِىِّ الذي لم يَقْتُلْ قِسْطَه من الدِّيَةِ؛ لأنَّ حَقَّه من القِصاصِ سَقَطَ بغيرِ اخْتيارِه، فأشْبَهَ ما لو مات القاتِلُ أو عَفَا بعضُ الأوْلياءِ. وهل يَجِبُ ذلك على قاتلِ الجانِى، أو في تَرِكَةِ الجانِى؟ فيه وَجْهان. وللشافعىِّ قَوْلان؛ أحدهما، يَرْجِعُ على قاتلِ الجانِى؛ لأنَّه أتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّه، فكان الرُّجوعُ عليه بِعِوَضِ نَصيبِهِ، كما لو كانت له وَدِيعةٌ فأتْلَفَها. والثانى، يرجعُ في تَرِكَةِ الجانى، كما لو أتْلَفَه أجْنَبِىٌّ، أو عَفَا شَرِيكُه عن القِصاصِ. وقَوْلُنا: أتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّه، يَبْطُلُ بما إذا أتْلَفَ مُسْتَأْجِرَه أو غَرِيمَه أو امرأتَه، أو كان المُتْلَفُ أجْنَبِيًّا، ويُفارِقُ الوَدِيعةَ، فإنَّها مَمْلوكةٌ لهما، فوَجَبَ عِوَضُ مِلْكِه، أمَّا الجانى فليس بمَمْلُوكٍ للمَجْنِىِّ عليه، وإنَّما له عليه حَقٌّ، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَ غَرِيمَه. فعلى هذا، يَرْجِعُ ورَثَةُ الجانِى على قاتِله بدِيَةِ مُوَرِّثِهِم (١٤) إلَّا قَدْرَ حَقِّه منها. فعلى هذا، لو كان الجانِى أقَلَّ دِيَةً من قاتِلِه، مثل امرأةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا له ابْنان، فقَتَلَها أحَدُهما بغيرِ إذْنِ الآخَرِ، فللآخرِ نِصْفُ دِيَةِ أبِيه في تَرِكَةِ المرأةِ التي قَتَلَتْه، ويَرْجِعُ ورَثَتُها بنِصْفِ دِيَتِها على قاتِلِها، وهو رُبْعُ دِيَةِ الرَّجُلِ. وعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، يَرْجِعُ الابنُ الذي لم يَقْتُلْ على أخِيه بنِصْفِ دِيَةِ المرأةِ؛ لأنَّه لم يُفَوِّتْ على أخِيه إلَّا نِصْفَ المرأةِ، ولا يُمْكِنُ أن يَرْجِعَ على وَرَثةِ المرأةِ بشيءٍ؛ لأنَّ أخاه الذي قَتَلَها أتْلَفَ جميعَ الحَقِّ. وهذا يَدُلُّ على ضَعْفِ هذا الوَجْهِ. ومن فوائِدِه أيضًا، صِحّةُ إبْراءِ مَنْ حَكَمْنا بالرُّجوعِ عليه، ومِلْكُ مُطَالَبَتِه، فإن قُلْنا: يَرْجِعُ على وَرَثةِ الجانِى.


(١٢) في ب: "شرط".
(١٣) سقط من: م.
(١٤) في ب: "موروثه".

<<  <  ج: ص:  >  >>