للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو مُشرِكٌ. لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِه، وحُدَّ القاذِفُ، إذا طَلَبَ الْمَقْذُوفُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ عَبْدًا)

إنَّما كان كذلك؛ لأنَّه قَذَفَه في حالِ كَوْنِه مسلمًا مُحْصَنًا، وذلك يَقْتَضِى (١) وُجوبَ الحَدِّ عليه؛ لعُمومِ الآيةِ، ووجُودِ المعنى، فإذا ادَّعَى ما يُسقِطُ الحَدَّ عنه، لم يُقْبَلْ منه، كما لو قَذفَ كبيرًا، ثم قال: أرَدْتُ أنَّه زَنَى وهو صغيرٌ. فأمَّا إن قال له: زَنَيْتَ في شِرْكِكَ. فلا حَدَّ عليه. وبه قالَ الزُّهْرِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وحكى أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، روايةً أُخْرَى. وعن مالِكٍ، أنَّه يُحَدُّ. وبه قال الثَّوْرِىُّ؛ لأنَّ القَذْفَ وُجِدَ في حالِ كَوْنِه مُحْصَنًا. ولَنا، أنَّه أضافَ القَذْفَ إلى حالٍ ناقصةٍ، أشْبَهَ ما لو قَذَفَه في حالِ الشِّرْكِ، ولأنَّه قَذَفَه بما لا يُوجِبُ الحَدَّ على المَقْذُوفِ، فأشْبَهَ ما لو قَذَفَه بالوَطْءِ دون الفَرْجِ. وهكذا الحكمُ لو قَذَفَ مَن كانَ رِقيقًا، فقال: زَنَيْتَ في حالِ رِقِّكَ. أو قال: زَنَيْتَ وأنتَ طِفْلٌ. وإن قال: زَنَيْتَ وأنتَ صَبِىٌّ أو صغيرٌ. سُئِلَ عن الصِّغَرِ، فإن فسَّره بصِغَرٍ لا يُجامِعُ في مثلِه، فهى كالتى قَبْلَها، وإن فسَّرَه بصِغَرٍ يُجامعُ في مثلِه، فعليه الحَدُّ، في إحْدَى الرِّوايتَيْنِ. وإن قالَ: زَنَيْتَ إذ كنتَ مُشْرِكًا. أو: إذْ كنتَ رَقِيقًا. فقال المقذوفُ: ما كنتُ مُشْرِكًا ولا رَقِيقًا. نَظَرْنَا؛ فإن ثَبَتَ أنَّه كان مُشْرِكًا أو رَقِيقًا، فهى كالتى قَبْلَها، وإن ثَبَتَ أنَّه لم يكُنْ (٣) كذلك، وجبَ الحَدُّ على القاذِفِ، وإن لم يثبُتْ واحِدٌ منهما، ففيه رِوَايتان؛ إحْداهما، يجبُ الحَدُّ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الشِّرْكِ والرِّقِّ، ولأنَّ الأصْلَ الحُرِّيَّةُ، وإسلامُ أهلِ دارِ الإِسلامِ. والثانية، القَوْلُ قولُ القاذِفِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه (٤). وإن قال: زَنَيْتَ وأنتَ مُشْرِكٌ. فقالَ المَقْذُوفُ: أرَدْتَ قَذْفِىَ بالزِّنَى والشِّرْكِ معًا. وقال


(١) في ب، م: "بمقتضى".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في م زيادة: "رقيقا".
(٤) في م: "ذمة القاذف".

<<  <  ج: ص:  >  >>