للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْط الثاني المُخْتَلَفُ فيه، تَعَيُّنُ مَكَانِ الإِيفَاءِ. قال القاضِى: ليس بِشَرْطٍ. وحَكاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ، وإسحاقَ، وطَائِفَةٍ من أهْلِ الحَدِيثِ. وبه قال أبو يوسفَ ومحمدٌ. وهو أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِيِّ؛ لقولِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أو وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ" (٩). ولم يَذْكُرْ مَكَانَ الإِيفَاءِ، فدَلَّ على أنَّه لا يُشْتَرَطُ. وفى الحَدِيثِ الذي فيه، أنَّ اليَهُودِيَّ أسْلَمَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِى فُلَانٍ فَلَا، ولكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى، إلَى أجَلِ مُسَمًّى" (١٠). ولم يَذْكُرْ مكانَ الإِيفَاءِ. ولأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فلا يُشْتَرَطُ فيه ذِكْرُ مَكانِ الإِيفَاءِ، كبُيُوعِ الأَعْيانِ، وقال الثَّوْرِيُّ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكانِ الإِيفَاءِ. وهو القولُ الثانى للشَّافِعِيِّ. وقال الأَوْزَاعِيُّ: هو مَكْرُوهٌ؛ لأنَّ القَبْضَ يَجِبُ بِحُلُولِه، ولا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ حِينَئِذٍ، فيَجِبُ شَرْطُه لئَلَّا يكونَ مَجْهُولًا. وقال أبو حنيفةَ، وبعضُ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنْ كان لِحَمْلِه (١١) مُؤْنَةً، وَجَبَ شَرْطُه، وإلَّا فلا يَجِبُ؛ لأنَّه إذا كان لِحَمْلِه مُؤْنَةً اخْتَلَفَ فيه الغَرَضُ، بِخِلَافِ ما لا مُؤْنَةَ فيه. وقال ابنُ أبي موسى: إنْ كانا في بَرِّيَّةٍ لَزِمَ (١٢) ذِكْرُ مَكَانِ الإِيفَاءِ، وإن لم يكُونَا في بَرِّيَّةٍ، فذِكْرُ مكانِ الإِيفَاءِ حَسَنٌ، وإن لم يَذْكُرَاهُ كان الإِيفَاءُ مكانَ العَقْدِ؛ لأنَّه متى كانا في بَرِّيَّةٍ لم يُمْكِنِ التَّسْلِيمُ في مكانِ العَقْدِ، فإذا تَرَكَ ذِكْرَه كان مَجْهُولًا، وإن لم يكُونَا في بَرِّيَّةٍ اقْتَضَى العَقْدُ التَّسْلِيمَ في مَكَانِه، فاكْتَفَى بذلك عن ذكْرِه، فإن ذَكَرَه كان تَأْكِيدًا، فكان حَسَنًا. فإن شَرَطَ الإِيفَاءَ في مَكَانٍ سَواءٍ، صَحَّ؛ لأنَّه عَقْدُ بَيْعٍ، فصَحَّ شَرْطُ ذِكْرِ الإِيفَاءِ في غيرِ مَكَانِه، كَبُيُوعِ الأَعْيَانِ. ولأنَّه شَرَطَ ذِكْرَ مَكانِ الإِيفَاءِ، فَصَحَّ، كما لو ذَكَرَهُ في مَكَانِ العَقْدِ. وذَكَرَ ابنُ أبى موسى رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه شَرَطَ خِلَافَ ما اقْتَضَاهُ العَقْدُ، لأنَّ العَقْدَ يَقْتَضِى


(٩) تقدم تخريجه في صفحة ٣٨٤.
(١٠) تقدم تخريجه في صفحة ٤٠٦.
(١١) في م هنا وفيما يأتى: "لحمه" خطأ.
(١٢) في أ: "لزمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>