للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللِّعانُ دُونَ الحَدِّ، فإن أبَى حُبِسَ حتى يُلاعِنَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}. الآيات. فلم يُوجِبْ بقَذْفِ الأَزْواجِ إلَّا اللِّعانَ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. وهذا عامٌّ فى الزَّوْجِ وغيرِه، وإنَّما خَصَّ الزَّوْجَ بأن أقَامَ لِعانَه مُقامَ الشَّهادةِ، فى نَفْى الحَدِّ والفِسْقِ وَرَدِّ الشَّهادةِ عنه. وأيضًا قولُ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْبَيّنةُ وإِلَّا حَدٌّ فى ظَهْرِكَ" (٦٤). وقولُه له (٦٥) لمَّا لَاعَنَ: "عَذَابُ الدُّنْيا أهْوَنُ من عَذابِ الآخِرَةِ" (٦٤). ولأنَّه قاذِفٌ يَلْزَمُه الحَدُّ لو أكْذَبَ نَفْسَه، فلَزِمَه إذا لم (٦٦) يَأْتِ بالبَيِّنةِ المَشْرُوعةِ، كالأجْنِبىِّ. فأما إن قَذَفَ [غيرَ مُحْصَنَةٍ] (٦٧) كالكِتابِيَّةِ، والأَمَةِ، والمجنونةِ، والطِّفْلةِ، فإنَّه يَجِبُ عليه التَّعْزيرُ بذلك؛ لأنَّه أدْخَلَ عليهنَّ المَعَرّةَ بالقَذْفِ؛ ولا يُحَدُّ لهنَّ حَدًّا كامِلًا لِنُقْصانِهِنَّ بذلك، ولا يتَعَلَّقُ به فِسْقٌ، ولا رَدُّ شَهادةٍ؛ لأنَّه لا يُوجِبُ الحَدَّ. قال القاضى: وليس له إسْقاطُ هذا التَّعْزيرِ باللِّعانِ؛ لأنَّ اللِّعانَ إمَّا لِنَفْىِ النَّسَبِ، أو لِدَرْءِ الحَدِّ، وليس ههُنا واحدٌ منهما. وقال الشافعىُّ: له إسْقاطُه باللِّعانِ؛ لأنَّه إذا مَلَكَ إسْقاطَ الحدِّ الكاملِ باللِّعانِ، فإسْقاطُ ما دُونَه أَوْلَى. وللقاضِى أَن يقولَ: لا يَلْزَمُ من مَشْرُوعِيّتِه لِدَفْعِ الحَدِّ الذى يَغظُمُ ضَرَرُه، مَشْرُوعِيّتُه لدَفْعِ ما يَقِلُ ضَرَرُه، كما لو قَذَفَ طِفْلةً لايتصَوَّرُ وَطْوها، فإنَّه يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ السَّبِّ والأَذَى، وليس له إسْقاطُه باللِّعانِ. كذا ههُنا. وأمَّا إن كان لأحَدِ هؤلاءِ، ولا يُرِيدُ نَفْيَه، فقال القاضِى: له أَن يُلاعِنَ لِنَفْيِه. وهذا قولُ الشافعىِّ، وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ، فى الأَمَةِ والكِتابيةِ، سَواءٌ كان لهما ولدٌ أو لم يَكُنْ. وقد ذكَرْنا ذلك فيما مَضَى.


(٦٤) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٧٣.
(٦٥) سقط من: أ، ب، م.
(٦٦) سقط من: م.
(٦٧) فى م: "غيرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>