للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقوله: مَا أَعْطَيْتَهُ فَهُوَ عَلَىَّ. وهذا مَجْهُولٌ فمتى قال: أنا ضَامِنٌ لك مَالَكَ على فُلَانٍ، أو ما يُقْضَى به عليه، أو ما تَقُومُ به البَيِّنَةُ، أو يُقِرُّ به لك، أو ما يَخْرُجُ في رُوزمَانَجك (٩). صَحَّ الضَّمَانُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ ومالِكٌ. وقال الثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، وابنُ أبي لَيْلَى، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لَا يَصِحُّ؛ لأنَّه الْتِزَامُ مَالٍ، فلم يَصِحَّ مَجْهُولًا، كالثمَنِ في المَبِيعِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، وحِمْلُ البَعِيرِ غيرُ مَعْلُومٍ؛ لأنَّ حِمْلَ البَعِيرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِه، وعُمُومُ قولِه عليه السَّلَامُ: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ"، ولأنَّه الْتِزَامُ حَقٍّ في الذِّمَّةِ من غير مُعَاوَضَةٍ، فصَحَّ في المَجْهُولِ، كالنَّذْرِ والإِقْرَارِ، ولأنَّه يَصِحُّ تَعْلِيقُه بِضَرَرٍ (١٠) وخَطَرٍ، وهو ضَمَانُ العُهْدَةِ. وإذا قال: أَلْقِ مَتَاعَكَ في البَحْرِ، وعَلَىَّ ضَمَانُه. أو قال: ادْفَعْ ثِيَابَكَ إلى هذا الرَّفَّاءِ، وعَلَىَّ ضَمَانُها. فَصَحَّ المَجْهُولُ، كالعِتْقِ والطَّلَاقِ. ومنها، صِحَّةُ ضَمَانِ ما لم يَجِبْ، فإنَّ مَعْنَى قولِه: "ما أَعْطَيْتَهُ"، [أي ما يُعْطِيه] (١١) في المُسْتَقْبَلِ، بِدَلِيلِ أنَّه عَطَفَهُ على مَن ضُمِنَ عنه حَقٌّ بعدَ وُجُوبِه عليه، فيَدُلُّ على أنَّه غيرُه، ولو كان "ما أعْطَيْتَهُ" في الماضِى، كان مَعْنَى المَسْأَلَتَيْنِ سواءً، أو إحْدَاهُما دَاخِلَةً في الأُخْرَى. والخِلَافُ في هذه المَسْأَلَةِ ودَلِيلُ القَوْلَيْنِ، كالتى قبلَها، إلَّا أنَّهم قالوا: الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ (١٢) إلى ذِمَّةٍ في الْتِزَامِ الدَّيْنِ، فإذا لم يكُنْ على المَضْمُونِ عنه شيءٌ، فلا ضَمَّ فيه، فلا يكونُ ضَمَانًا. قُلْنا: قد ضَمَّ ذِمَّتَهُ (١٣) إلى ذِمَّةِ المَضمونِ عنه في أنَّه يَلْزَمُه ما يلزمُه، وأنَّ ما يَثْبُتُ (١٤) في ذِمَّةِ مَضْمُونِه يَثْبُتُ في ذِمَّتِه. وهذا كَافٍ. وقد سَلَّمُوا ضَمَانَ ما يُلْقِيهِ في البَحْرِ قبلَ وُجُوبِه بقولِه: أَلْقِ مَتَاعَكَ في البَحْرِ، وعَلَىَّ ضَمَانُه. وسَلَّمَ أصْحابُ الشَّافِعِيِّ في أحَدِ


(٩) كذا في النسخ: "روزمانجك".
والروزنامة: كتيب يتضمن معرفة الأيام والشهور على مدار السنة.
(١٠) في ب: "بغرر".
(١١) سقط من: الأصل، أ، م.
(١٢) في ب زيادة: "الضامن".
(١٣) من هنا إلى قوله: "في ذمته" الآتى سقط من: ب.
(١٤) في الأصل، ب، م: "ثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>