للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندَ اتِّحادِ العِلَّةِ. والحاصِلُ أنَّ ما اجْتَمَعَ فيه الكَيْلُ والوَزْنُ (١١) والطَّعْمُ، مِن جِنْسٍ واحِدٍ، ففيه الرِّبا رِوايَةً واحِدَةً، كالأُرْزِ، والدُّخْنِ، والذُّرَةِ، والقُطْنِيَّاتِ (١٢)، والدُّهْنِ، والخَلِّ، واللَّبَنِ، واللَّحْمِ، ونَحْوِه. وهذا قولُ أكْثَرِ أهلِ العلمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا قولُ عُلَماءِ الأمصارِ في القَدِيمِ والحَدِيثِ، سوى قَتادَةَ، فإنه بَلَغَنِي أنه شَذَّ عن جماعةِ النَّاسِ، فقَصَرَ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ على السِّتَّةِ الأشْيَاءِ. وما انْعَدَمَ فيه الكَيْلُ، والوَزْنُ، والطَّعْمُ، واخْتَلَفَ جِنْسُه، فلا رِبًا فيه، رِوايَةً واحِدَةً. وهو قولُ أكْثَرِ أهلِ العلمِ، كالتِّينِ، والنَّوَى، والقَتِّ، والماءِ، والطِّينِ الأرْمَنِيِّ، فإنّه يُؤْكَلُ دَوَاءً، فيكون مَوْزُونًا مَأكُولًا، فهو إذًا مِن القِسْمِ الأوَّلِ، وما عداه إنما يُؤْكَلُ سَفَهًا، فجَرَى مَجْرَى الرَّمْلِ والحَصَى. وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال لِعائِشَةَ: "لَا تَأْكُلِي الطِّينَ، فَإنَّهُ يُصَفِّرُ اللَّوْنَ" (١٣). وما وُجِدَ فيه الطَّعْمُ وَحْدَه، أو الكَيْلُ أو الوَزْنُ، مِن جِنْسٍ واحِدٍ، ففيه رِوايَتانِ، واخْتَلَفَ أهلُ العلمِ فيه، والأوْلَى إنْ شاءَ اللهُ تعالى حِلُّهُ؛ إذ ليسَ في تَحْرِيمِه دَلِيلٌ مُوْثُوقٌ به، ولا مَعْنًى يُقَوِّى التَّمَسُّكَ به، وهي مع ضَعْفِها يُعارِضُ بَعْضُها بَعْضًا، فوَجَبَ اطِّراحُها، أو الجَمْعُ بينَها، والرُّجُوعُ إلى أصلِ الحِلِّ الذي يَقْتَضِيهِ الكِتَابُ، والسُّنَّةُ، والاعْتِبارُ. ولا فَرْقَ في المَطْعُوماتِ بينَ ما يُؤْكَلُ قُوتًا، كالأُرْزِ، والذُّرَةِ، والدُّخْنِ، أو أُدْمًا كالقُطْنِيَّاتِ، واللَّبَنِ، واللَّحْمِ، أو تَفَكُّهًا كالثِّمارِ، أو تداوِيًا كالإهْلِيلَجِ (١٤)، والسَّقَمُونْيا (١٥)، فإنَّ الكُلَّ في بَابِ الرِّبا واحِدٌ.

فصل، وقَوْله: ما كِيلَ، أو وُزِنَ. أي: ما كان جِنْسُه مَكِيلًا، أو مَوْزُونًا، وإنْ لم يَتَأتَّ فيه كَيْلٌ، ولا وَزْنٌ، إمّا لِقِلَّتِه كالحَبَّةِ والحَبَّتَيْنِ، والحَفْنَةِ


(١١) في الأصل: "أو الوزن".
(١٢) القُطْنِيَّات: هي الحبوب التي تُدَّخَر كالحِمَّص والعدس.
(١٣) لم نجده فيما بين أيدينا من كتب السنة. وقال ابن القيم، في زاد المعاد ٤/ ٣٣٧: وكل حديث في الطين فإنه لا يصح، ولا أصل له عن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(١٤) الإهليلج: ثمر ينفع من الخوانيق ويحفظ العقل ويزيل الصداع. القاموس.
(١٥) السقمونيا: نبات يستخرج من تجاويفه دواء مسهل. القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>