للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكُلِّ واحِدٍ من هذه الأوْصافِ أثَرًا، والحُكْمُ مَقْرُونٌ بجَمِيعِها في المنْصُوصِ عليه، فلا يَجُوزُ حَذْفُه. ولأنَّ الكَيْلَ والوَزْنَ والجِنْسَ لا يَقْتَضِي وُجُوبَ المُماثَلَةِ، وإنَّما أثَرُه في تَحْقِيقِها (٨) في العِلَّةِ ما يَقْتَضِي ثُبُوتَ الحُكْمِ لا ما تَحَقَّقَ شَرْطُه، والطَّعْمُ بمُجَرَّدِه لا تَتَحَقَّقُ المُماثَلَةُ به؛ لِعَدَمِ المِعْيارِ الشَّرعِيِّ فيه. وإنَّما تَجِبُ المُماثَلَةُ في المِعْيارِ الشَّرعِيِّ وهو الكَيْلُ، والوَزْنُ، ولهذا وَجَبَتِ المُساواةُ في المَكِيلِ كَيْلًا، وفي المَوْزُونِ وَزْنًا، فوَجَبَ أن يكونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا في المَكِيلِ والمَوْزُونِ، دُونَ غَيْرِهما. والأحادِيثُ الوارِدَةُ في هذا الباب يَجِبُ الجَمْعُ بينَها، وتَقْيِيدُ كُلِّ واحِدٍ منها بالآخَرِ، فَنَهْيُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ الطَّعامِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ يَتَقَيَّدُ بما فيه مِعْيارٌ شَرْعِيٌّ، وهو الكَيْلُ والوَزْنُ، ونَهْيُه عن بَيْعِ الصّاعِ بالصّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بالمَطْعُومِ المَنْهِيِّ عن التَّفَاضُلِ فيه. وقال مالِكٌ: العِلَّةُ القُوتُ، أو: ما يَصْلُحُ به القُوتُ مِن جِنْسٍ واحِدٍ من المُدَّخَراتِ. وقال رَبِيعَةُ: يَجْرِى الرِّبا فيما تَجِبُ فيه الزَّكاةُ دونَ غيره. وقال ابنُ سِيرِينَ: الجِنْسُ الواحِدُ عِلَّةٌ. وهذا القولُ لا يَصِحُّ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بَيْع الفَرَسِ بالأفْرَاسِ، والنَّجِيبَةِ بالإبِلِ: "لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" (٩). ورُوِيَ أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ. رواه أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ (١٠)، وقال: هو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقَوْلُ مالِكٍ يَنْتَقِضُ بالحَطَبِ والإدَامِ يُسْتَصْلَحُ به القُوتُ ولا رِبًا فيه عنده، وتَعْلِيلُ رَبِيعَةَ يَنْعَكِسُ بالمِلْحِ، والعَكْسُ لازِمٌ


(٨) في الأصل: "تحقيقهما".
(٩) تقدم في صفحة ٥٤.
(١٠) أخرجه أبو داود، في: باب في ذلك إذا كان يدا بيد، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٢٥. والترمذي، في: باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي ٥/ ٢٤٧.
كما أخرجه مسلم، في: باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٢٥. والنسائي، في: باب بيعة المماليك، من كتاب البيعة، وفي: باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ١٣٥، ٢٥٧. وابن ماجه، في: باب البيعة، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>