للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر القاضي أنَّه إنَّما يَتَحَتَّمُ قَتْلُه إذا قتَلَه ليأخذَ المالَ، وإن قتلَه لغيرِ ذلك، مثلَ أن يقصِد قَتْلَه لعَداوةٍ بينَهما، فالواجبُ قِصاصٌ غيرُ مُتَحتِّمٍ، وإذا قَتَلَ صُلِبَ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {أَوْ يُصَلَّبُوا}. والكلام فيه في ثلاثةِ أمورٍ؛ أحدها، في وَقْتِه، ووَقْتُه بعدَ القتلِ. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: يُصْلَبُ حَيًّا، ثم يُقْتَلُ مَصْلُوبًا، يُطْعَنُ بالْحَرْبَةِ؛ لأن الصَّلْبَ عُقوبةٌ، وإنَّما يُعَاقَبُ الْحَىُّ لا الميِّتُ، ولأنَّه جَزاءٌ على المُحارَبَةِ، فيُشْرَعُ في الحياةِ كسائرِ الأجْزِيَةِ، ولأنَّ الصَّلْبَ بعدَ قَتْلِه يَمْنَعُ [تكْفينَه و] (١٧) دَفْنَه، فلا يجوزُ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى قَدَّمَ القتلَ على الصَّلْبِ لفظًا، والتَّرتيبُ بينهما ثابتٌ بغيرِ خلافٍ، فيجبُ تقديمُ الأوَّلِ في اللَّفْظِ، كقولِه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (١٨) ولأنَّ (١٩) القتلَ إذا أُطْلِقَ في لسانِ الشَّرْعِ، كان قتلًا بالسَّيفِ. ولهذا قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ، فَإذَا قَتَلْتُم فَأَحْسِنُوا القَتْلَ" (٢٠). وأحْسَنُ القتلِ هو القتلُ بالسَّيَفِ، وفى صَلْبِه حَيًّا تَعْذِيبٌ له، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن تَعْذيبِ الحيوانِ. وقولُهم: إنَّه جَزَاءٌ على (٢١) المُحاربةِ. قُلْنا: لو شُرِعَ لِرَدْعِه، لَسَقَطَ بقَتْلِه، كما يسقُطُ سائرُ الحدودِ مع القتلِ، وإنَّما شُرِعَ الصَّلْبُ رَدْعًا لغيرِه، لِيَشْتَهِرَ أمرُه، وهذا يحصُلُ بِصَلْبِه بعدَ قَتْلِه. وقولُهم: يَمْنَعُ تكْفِينَه ودَفْنَه. قُلْنا: هذا لازِمٌ لهم؛ لأنَّهم يتْركُونه بعدَ قَتْلِه مَصْلُوبًا. الثاني، في قَدْرِه، ولا تَوْقِيتَ فيه، إلَّا قَدْرَ ما يَشْتَهِرُ أمرُه. قال أبو بكرٍ: لم يُوَقِّتْ أحمدُ في الصَّلْبِ، فأقولُ: يُصْلَبُ قدرَ ما يقعُ عليه الاسمُ. والصَّحِيحُ تَوْقِيتُه بما ذكرَ الْخِرَقِىُّ من الشُّهْرَةِ؛ لأنَّ المقصودَ يحْصُلُ به. وقال الشَّافِعِىُّ: يُصْلَبُ ثلاثًا. وهو مذهبُ


(١٧) سقط من: الأصل، ب.
(١٨) سورة البقرة ١٥٨.
(١٩) في م: "وأن".
(٢٠) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٥١٦.
(٢١) في الأصل: "عن".

<<  <  ج: ص:  >  >>