للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتلَ لو وَجَبَ لِحَقِّ اللَّه تعالى، لم يُخَيَّرِ الإِمامُ فيه، كقَطْعِ السَّارِقِ، وكما لو انْفردَ بأخْذِ المالِ، ولأنَّ الحدودَ للهِ تعالى إذا كان فيها قتلٌ، سَقَطَ ما دونَه، كما لو سَرَقَ وَزَنَى وهو مُحْصَنٌ. وقد رُوِىَ عن ابن عباس، قال: وادَعَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بَرْزَةَ (١١) الأسْلَمِىَّ، فجاء ناسٌ يُريدونَ الإِسْلامَ، فَقَطَعَ عليهم أصحابُه، فنَزلَ جبريلُ عليه السَّلامُ بالحدِّ فيهم، أنَّ من قَتَلَ وأَخَذَ المال قُتِلَ وصُلِبَ، ومَن قَتَلَ ولم يأخذِ المالَ، قُتِلَ، ومن أخذَ المالَ ولم يقتُلْ، قُطِعَتْ يَدُه ورِجْلُه من خلافٍ (١٢). وقيل: إنَّه روَاه أبو داود. وهذا كالمُسْنَدِ، وهو نَصٌّ، فإذا ثبتَ هذا، فإنَّ قاطِعَ الطريق لا يخْلُو من أحوالٍ خَمْسٍ؛ الأُولَى، إذا قَتَلَ وأخذَ المالَ، فإنَّه يُقْتَلُ ويُصْلَبُ، في ظاهِرِ المذهبِ، وقَتْلُه مُتَحَتِّمٌ لا يدْخلُه عَفْوٌ. أجمعَ على هذا كلُّ أهلِ العلمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَن نحفظُ عنه (١٣) من أهلِ العلمِ، رُويَ ذلك عن عمرَ. وبه قال سليمانُ بنُ موسى، والزُّهْرِىُّ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. ولأنَّه حَدٌّ من حُدودِ اللهِ تعالى، فلم يسقُطْ بالعَفْوِ، كسائرِ الحدودِ، وهل يُعْتَبَرُ التَّكافُؤُ بينَ القاتلِ والمقتولِ؟ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، لا يُعْتَبرُ، بل يؤخذُ الحُرُّ بالعبدِ، والمسلمُ بالذِّمِّىِّ، والأبُ بالابنِ؛ لأنَّ هذا القتلَ حَدٌّ للهِ تعالى، فلا تُعْتَبَرُ فيه المُكافأَةُ، كالزِّنَى والسَّرِقَةِ. والثانية، تُعْتَبرُ المكافأةُ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُقْتَلُ مُسْلمٌ بِكَافِرٍ" (١٤). والحَدُّ فيه انحِتَامُه؛ بدليلِ أنَّه لو تابَ قبلَ القُدْرةِ عليه، سقطَ الانْحِتامُ (١٥)، ولم يسْقُطِ القِصاصُ. فعلى هذه الرِّوايةِ، إذا قَتَلَ المسلمُ ذِمِّيًّا، أو الحُرُّ عبدًا، وأخذَ (١٦) مالَه، قُطِعَتْ يدُه ورجلُه من خلافٍ، لأَخْذِه المالَ، وغَرِمَ دِيَةَ الذِّمِّىِّ وقيمةَ العبدِ، وإن قتلَه ولم يأْخُذْ مالًا غَرِمَ دِيَتَه ونُفِىَ.


(١١) في النسخ: "أبو بردة". والمثبت من الشرح الكبير، وأبو برزة هو نضلة بن عبيد.
(١٢) انظر: ما أخرجه البيهقي، في: باب قطاع الطريق، من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٨٣. وانظر أيضًا: ما ذكره السيوطي في تفسير آية جزاء المحاربين. الدرر المنثور ٢/ ٢٧٧ - ٢٨٠.
(١٣) سقط من: ب.
(١٤) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤٦٦.
(١٥) في م: "انحتام".
(١٦) في م: "أو أخذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>