للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عليهم، فإنَّ مَن تَرَكَ دِينَه فى زَمنِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إيثارًا لدينِ الإسلامِ، وصَحِبَ (٧) رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثَبَتَت عَدالتُه. وأمَّا قولُ عمرَ، فالمُرادُ به أنَّى الظاهرَ العدالةُ، ولا يَمْنَعُ ذلك فى وُجوبِ البَحْثِ ومَعْرفةِ حَقيقةِ العدالةِ، فقد رُوِىَ عنه، أنَّه أُتِىَ بشاهِدَيْنِ، فقال لهما (٨): لَسْتُ أعْرِفُكما، ولا يَضُرُّكما إن لم أعْرِفْكما، جِيئَا بمَن يَعْرِفُكما. فأتَيا برجلٍ، فقال له عمرُ: تَعْرِفُهما؟ فقال: نعم. فقال عمرُ: صحِبْتَهما فى السَّفَرِ الذى تَبِينُ فيه جَواهرُ الناسِ؟ قال: لا. قال: عامَلْتَهما فى الدَّنانيرِ والدَّراهمِ التى تُقطَعُ فيهما (٩) الرَّحِمُ؟ قال: لا. قال: كنتَ جارَهما (١٠) تَعْرِفُ صَباحَهما ومَساءَهما؟ قال: لا. قال: يا ابنَ أخى، لسْتَ تَعْرِفُهما، جِيئَا بمَن يَعْرِفُكما (١١). وهذا بحثٌ يدُلُّ على أنَّه لا يُكْتفَى بدُونِه. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ الشاهدَ يُعتبَرُ فيه أربعةُ شُروطٍ؛ الإسلامُ، والبُلوغُ، والعقلُ، والعَدالةُ، وليس فيها ما يَخْفَى ويَحْتاجُ إلى البحثِ إلَّا العدالةُ، فيَحتاجُ إلى البحثِ عنها؛ لقولِ اللهِ تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (١٢). ولا نعلمُ أنَّه مَرْضِىٌّ حتى نَعْرفَه، أو نُخْبَرَ عنه، فيَأْمرُ الحاكمُ بكَتْبِ أسمائِهم، وكُناهم، ونَسَبِهم، وَيرْفَعُ (١٣) فيها بما يَتميَّزون به عن غيرِهم، ويَكْتبُ صَنائعَهم، ومَعائِشَهم، ومَوضِعَ مساكنِهم، وصَلاتِهم؛ ليَسْألَ عنهم (١٤) جِيرَانَهم، وأهلَ سُوقِهم، ومَسْجِدِهم، ومَحَلَّتِهم، ونِحْلَتِهم (١٥)، فيَكتبُ: أسودُ أو أبيضُ، أو أنْزَعُ أو أغمُّ، أو أشْهَلُ أو أكْحَلُ، أقْنَى الأنفِ أو أفْطَسُ، أو رَقيقُ الشَّفتيْنِ أو غَلِيظُهما، طويلٌ


(٧) فى م: "وصحبة".
(٨) فى ب زيادة: "عمر".
(٩) فى ب، م: "فيها".
(١٠) فى ب، م: "جارا لهما".
(١١) أخرجه البيهقى، في: باب من يرجع إليه فى السؤال يجب أن تكون معرفته باطنة متقادمة، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ١٢٥، ١٢٦. والعقيلى، فى: الضعفاء الكبير ٣/ ٤٥٤، ٤٥٥. وفيهما أنه شاهد واحد.
(١٢) سورة البقرة ٢٨٢.
(١٣) فى ب، م: "ويرفعون".
(١٤) فى م: "عن".
(١٥) لم يرد فى: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>