للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ فَعَلْتُ. ثم فَعَلَ، فهو مُخَيَّرٌ، إن شاءَ تَرَكَ ما حَرَّمَه على نفسِه، وإِنْ شاءَ كَفَّرَ. وإِنْ قال: هذا الطعامُ حَرامٌ علىَّ. فهو كالحَلِفِ على تَرْكِه. ويُرْوَى نحوُ هذا عن ابنِ مسعودٍ، والحسنِ، وجابرِ بنِ زيدٍ، وقَتادَةَ، وإسْحاقَ، وأهلِ العراقِ. وقال سعيدُ بنُ جُبَيْر، فى مَن قال: الحِلُّ عَلَىَّ حَرامٌ: يَمِينٌ من الأَيْمانِ، يُكَفِّرُها. وقال الحسنُ: هى يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِىَ طَلاقَ (١) امرأتِهِ. وعن إبراهيمَ مثلُه. وعنه: إنْ نَوَى طَلاقًا، وإلَّا فليس بشىءٍ. وعن الضَّحَّاك، أَنَّ أبا بكرٍ وعمرَ وابنَ مسعودٍ قالُوا: الحرامُ يَمِينُ طلاقٍ (٢). وقال طاوُسٌ: هو ما نَوَى. وقال مالِكٌ، والشافِعِىُّ: ليس بيَمِينٍ، ولا شىءَ عليه؛ لأنَّه قَصَدَ تَغْيِيرَ المشْرُوعِ، فَلَغا ما قَصَدَه، كما لو قال: هذه رَبيبَتِى. ولَنا، قولُ اللَّه تعالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قولِه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٣). سَمَّى تَحْريمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ يَمِينًا، وفَرَضَ له تَحِلَّةً، وهى الكَفّارَةُ. وقالت عائِشَةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، كان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمْكُثُ عندَ زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ، ويَشْرَبُ عِنْدَها عَسَلًا، فتَواصَيْتُ أنا وحَفْصَةُ، أَنَّ أَيَّتَنًا دَخَلَ عليها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلْتَقُلْ: إنى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ (٤). فدَخَلَ على إحْدانا، فقالَتْ له ذلك، فقال: "لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أَعُودَ لَهُ". فنزَلتْ (٥): {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} (٦). مُتَّفَقٌ عليه (٧)، فإنْ قيل: إنّما نَزَلَت الآيةُ فى تَحْريمِ مارِيَةَ


(١) سقط من: الأصل، أ.
(٢) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٣٩٦.
(٣) سورة التحريم ١، ٢.
(٤) مغافير: جمع مغفور، وهو صمغ حلو كالناطف، وله رائحة كريهة، ينضحه شجر يقال له: العرفط.
(٥) فى م: "فنزل".
(٦) لم يرد فى الأصل، أ، ب: {تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}.
(٧) أخرجه البخارى، فى: باب سورة التحريم، من كتاب التفسير، وفى: باب لم تحرم ما أحل اللَّه لك؟ من كتاب الطلاق، وفى: باب إذا حرم طعامه، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى ٦/ ١٩٤، ٧/ ٥٦، ٥٧، ٨/ ١٧٥، ١٧٦. ومسلم، فى: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته. . .، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم ٢/ ١١٠٠ - ١١٠٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى شراب العسل، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود ٢/ ٣٠١. والنسائى، فى: باب تأويل هذه الآية، أى: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، من كتاب الطلاق، وفى: باب تحريم ما أحل اللَّه عز وجل، =

<<  <  ج: ص:  >  >>