للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان المجلسُ غيرَ مُشْتَرَطٍ، لم يَجُزْ أن يُحدَّهم؛ لجَوازِ أن يَكْمُلُوا برابعٍ في مجلسٍ آخرَ، ولأنَّه لو شَهِدَ ثلاثةٌ، فحَدَّهم، ثم جاءَ رابِعٌ فشَهِدَ، لم تُقْبَلْ شهادتُه، ولَوْلَا اشتراطُ المجلسِ، لَكَمَلَتْ شَهادتُهم. وبهذا فارقَ سائرَ الشَّهادَاتِ. وأمَّا الآيةُ، فإنَّها لم تتَعرَّضْ للشُّروطِ، ولهذا لم تذْكُرِ العدالةَ، وصِفَةَ الزِّنَى، ولأنَّ قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} (١٧). لا يخلُو من أن يكونَ مُطْلَقًا في الزَّمانِ كُلِّه، أو مقيَّدًا، لا يجوزُ أن يكونَ مُطْلقًا؛ لأنَّه يَمْنَعُ من جوازِ جَلْدِهم، لأنَّه ما مِنْ زَمَنٍ إلَّا يجوزُ أنْ يأْتِىَ فيه بأربعةِ شُهَداءَ، أو بكمالِهم إن كان قد شَهِدَ بعضُهم، فيَمْتَنِعُ جلدُهم المأمورُ به، فيكونُ تناقُضًا، وإذا ثَبَتَ أنَّه مُقَيَّدٌ، فأوْلَى ما قُيِّدَ بالمجْلسِ؛ لأنَّ المجلِسَ كلَّه بمَنْزلَةِ الحالِ الواحدَةِ، ولهذا ثَبَتَ فيه خيارُ المجلسِ، واكْتُفِىَ فيه بالقَبْضِ فيما يُعْتَبَرُ القَبْضُ فيه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يُشْتَرَطُ اجتماعهُم حالَ مَجِيئِهم، ولو جاءوا مُتفرِّقِينَ واحدًا بعدَ واحدٍ، في مجلسٍ واحدٍ، قَبِلَ شهادَتَهم. وقال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ: إنْ جاءوا مُتَفَرِّقين، فهم قَذَفَةٌ؛ لأنَّهم لم يَجْتمعُوا في مجِيئهم، فلم تُقْبَلْ شهادتُهم، كالذين لم يَشْهَدُوا في مجلسٍ واحدٍ. ولَنا، قِصَّةُ المُغيرةِ، فإنَّ الشُّهودَ جاءوا واحدًا بَعد واحدٍ، وسُمِعَتْ (١٨) شهادتُهم، وإنما حُدُّوا لعدم كمالِها. وفي حديثه، أنَّ أبا بكرةَ قال: أرأيتَ لو (١٩) جاءَ آخَرُ يشْهدُ، أكنتَ تَرْجُمُه؟ . قال عمر: أىْ، والذي نفسِى بيدِه. ولأنَّهم اجْتَمعُوا في مجلسٍ واحدٍ (٢٠)، أشْبَهَ ما لو جاءُوا (٢١) مُجْتَمِعِين، ولأنَّ المجلسَ كلَّه بمْنزِلةِ ابْتدائِه، لما ذكرْناه. وإذا تفرَّقُوا في مجالسَ، فعليهم الحَدُّ؛ لأنَّ من شَهِدَ بالزِّنَى، ولم يُكْمِلِ الشَّهادَةَ يَلْزمْه الحَدُّ (٢٢)؛ لقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ


(١٧) سورة النور ٤.
(١٨) في ب، م: "وسميت".
(١٩) في م: "إن".
(٢٠) في م: "والحد".
(٢١) بعد هذا في م زيادة: "كانوا".
(٢٢) في م: "أحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>