للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأَصْلُ المَقِيسُ عليه مَمْنُوعٌ، ثم هو باطِلٌ بِخِيَارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ. وإذا تَقَرَّرَ هذا، فقال ابنُ حامِدٍ: يتَقَدَّرُ الخِيَارُ بالمَجْلِسِ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. فمتى طَالَبَ في مَجْلِسِ العِلْمِ، ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ وإن طَالَ؛ لأنَّ المَجْلِسَ كلَّه في حُكْمِ حالَةِ العَقْدِ، بِدَلِيلِ أنَّ القَبْضَ فيه لِمَا يُشْتَرَطُ فيه القَبْضُ، كالقَبْض (٩) حالَةَ العَقْدِ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لا يَتَقَدَّرُ بالمَجْلِس، بل متى بادَرَ فطَالَبَ عَقِيبَ عِلْمِه، وإلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُه. وهذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وقولُ الشّافِعِىِّ؛ لما ذَكَرْنا من الخَبَرِ والمَعْنَى. وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بخِيَارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ. فعلَى هذا متى أَخَّرَ المُطَالَبَةَ عن وَقْتِ العِلْمِ لغيرِ عُذْرٍ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه، وإن أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ، مثل أن يَعْلَمَ لَيْلًا فيُؤَخِّرَهُ إلى الصُّبْحِ، أو لِشِدَّةِ جُوعٍ أو عَطَشٍ حتى يَأْكُلَ ويَشْرَبَ، أو لِطَهَارَةٍ أو إِغْلَاقِ بابٍ، أو لِيَخْرُجَ من الحَمَّامِ، أو لِيُؤَذِّنَ ويُقِيمَ ويَأْتِىَ بالصَّلَاةِ وسُنَنِها، أو لِيَشْهَدَها في جَماعَةٍ يَخافُ فَوْتها، لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه؛ لأنَّ العادَةَ تَقْدِيمُ هذه الحَوَائِج على غيرِها، فلا يكونُ الاشْتِغالُ بها رِضًى بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ، إلَّا أن يكونَ المُشْتَرِى حاضِرًا عندَه في هذه الأَحْوَالِ، فيُمْكِنُه أن يُطَالِبَه من غيرِ اشْتِغَالِه عن أَشْغَالِه، فإنَّ شُفْعَتَه تَبْطُلُ بِتَرْكِه المُطَالَبةَ؛ لأنَّ هذا لا يَشْغَلُه عنها، ولا تَشْغَلُه المُطَالَبَةُ عنه. فأمَّا مع غَيْبَتِه فلا؛ لأنَّ العادَةَ تَقْدِيمُ هذه الحَوَائِج، فلم يَلْزَمْهُ تَأْخِيرُها، كما لو أمْكَنَه أن يُسْرِعَ في مَشْيِه، أو يُحَرِّكَ دَابَّتَه، فلم يَفْعَلْ، ومَضَى على حَسَبِ عادَتِه، لم تَسْقُطْ شُفْعَتُه؛ لأنَّه طَلَبَ بِحُكْمِ العادَةِ. وإذا فَرَغَ من حَوَائِجِه، مَضَى على حَسَبِ عادَتِه إلى المُشْتَرِى، فإذا لَقِيَهُ [بَدَأهُ بالسَّلَامِ] (١٠)؛ لأنَّ ذلك السُّنَّةُ، وقد جاءَ في الحديثِ (١١): "مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَلَا تُجِيبُوهُ" (١٢). ثم يُطَالِبُ. وإن قال


(٩) في ب زيادة: "في".
(١٠) في م: "بدأ السلام".
(١١) في الأصل، م: "حديث".
(١٢) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في السلام قبل الكلام، من أبواب الاستئذان. عارضة الأحوذى ١٠/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>