للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في [جَدِيدِ قولِه] (١). وحُكِىَ عن أحمدَ، رِوَايةٌ ثانِيَة، أنَّ الشُّفعَةَ على التَّرَاخِى لا تَسْقُطُ، ما لم يُوجَدْ منه ما يَدُلُّ على الرِّضَى، من عَفْوٍ، أو مُطَالَبةٍ بِقِسْمَةٍ، ونحو ذلك. وهذا قول مالِكٍ، وقولُ الشّافِعِىِّ، إلَّا أن مَالِكًا قال: تَنْقَطِعُ بمُضَىِّ سَنَةٍ. وعنه: بمُضِىِّ مُدَّةٍ يُعْلَمُ أنَّه تَارِكٌ لها؛ لأنَّ هذا الخِيَارَ لا ضَرَرَ في تَرَاخِيه، فلم يَسْقُطْ بالتَّأْخِيرِ، كحَقِّ القِصَاصِ. وبَيَانُ (٢) عَدَمِ الضَّرَرِ أنَّ النَّفْعَ لِلْمشْتَرِى بِاسْتِغْلَالِ المَبِيعِ. وإن أَحْدَثَ فيه عِمَارَةً، من غِرَاسٍ أو بنَاءٍ، فله قِيمَتُه. وحُكِىَ عن ابنِ أبي لَيْلَى، والثَّوْرِىِّ، أنَّ الخِيَارَ مُقَدَّرٌ بثلاثةِ أيامٍ. وهو قولٌ للشَّافِعِىِّ (٣)؛ لأنَّ الثَّلَاثَ حُدَّ بها خِيَارُ الشَّرْطِ، فصَلَحَتْ (٤) حَدًّا لهذا الخِيَارِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ البَيْلَمانىِّ، عن أَبِيه، عن عُمَرَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشُّفْعَةُ كَحَلِّ العِقَالِ". وفى لَفْظٍ أنَّه قال: "الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ العِقَالِ، إنْ قُيِّدَت ثَبَتَتْ، وإنْ تُرِكَتْ فاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَها" (٥). وَرُوِىَ عن النبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَها". رَوَاهُ الفُقَهاءُ في كُتُبِهِم (٦)، ولأنَّه خِيَارٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عن المالِ (٧)، فكان على الفَوْرِ، كخِيَارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ، ولأنَّ إِثْبَاتَهُ على التَّراخِى يَضُرُّ المُشْتَرِىَ. لكَوْنِه لا يَسْتَقِرُّ مِلْكُه على المَبِيعِ، ويَمْنَعُه من التَّصَرُّفِ لِعَمارِه (٨) خَشْيَةَ أَخْذِه منه، ولا يَنْدَفِعُ عنه الضَّرَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِه؛ لأنَّ خَسَارَتَها في الغالِبِ اكْثَرُ من قِيمَتِها، مع تَعَبِ قَلْبِه وبَدَنِه فيها. والتَّحْدِيدُ بثَلَاثَةِ أيامٍ تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عليه،


(١) في م: "أحد قوليه".
(٢) في ب: "وبأن".
(٣) في ب، م: "الشافعي".
(٤) في ب: "فصحت".
(٥) أخرجه ابن ماجه، في: باب طلب الشفعة، من كتاب الشفعة. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٣٥. والبيهقي، في: باب رواية ألفاظ منكرة يذكرها بعض الفقهاء في مسائل الشفعة، من كتاب الشفعة. السنن الكبرى ٦/ ١٠٨.
(٦) ذكره الحافظ ابن حجر، في: كتاب الشفعة. تلخيص الحبير ٣/ ٥٦، ٥٧. وأخرجه عبد الرزاق من قول شريح، في: باب الشفيع يأذن قبل البيع. . ., من كتاب البيوع. المصنف ٨/ ٨٣.
(٧) في ب: "المالك".
(٨) في م: "بعمارة".

<<  <  ج: ص:  >  >>