للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِلمِ. وبه قال جَمَاعَةٌ من أصْحابِنا، ونحوُه قولُ مَالِكٍ؛ لأنَّ الفَلَسَ عَيْبٌ في المُحَالِ عليه، فكان له الرُّجُوعُ، [كما لو اشْتَرَى سِلْعَةً فوَجَدَها مَعِيبَةً، ولأنَّ المُحِيلَ غَرَّهُ، فكان له الرُّجُوعُ] (١٠) , كما لو دَلَّسَ المَبِيعَ. وقال شُرَيْحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ: متى أفْلَسَ أو ماتَ، رَجَعَ على صَاحِبِه، وقال أبو حنيفةَ: يَرْجِعُ عليه في حَالَيْنِ؛ إذا مَاتَ المُحَالُ عليه مُفْلِسًا، وإذا جَحَدَهُ وحَلَفَ عليه [عند الحاكِمِ، وقال أبو يوسفَ ومحمدٌ: يَرْجِعُ عليه في هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، وإذا حُجِرَ عليه] (١١) لِفَلَسٍ؛ لأنَّه رُوِىَ عن عثمانَ، أنَّه سُئِلَ عن رَجُلٍ أُحِيلَ بِحَقِّه، فماتَ المُحالُ عليه مُفْلِسًا فقال: يَرْجِعُ بِحَقِّه، لا تَوًى (١٢) على مالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ لم يُسَلَّم العِوَضُ فيه لأحَدِ (١٣) المُتَعاوِضَيْنِ، فكان له الفَسْخُ، كما لو اعْتَاضَ بِثَوْبٍ فلم يُسَلَّمْ إليه. ولَنا، أنَّ حَزْنًا جَدَّ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، كان له على علىٍّ رَضِىَ اللهُ عنه دَيْنٌ، فأحَالَهُ به، فماتَ المُحالُ عليه، فأخْبَرَهُ، فقال: اخْتَرْتَ علينا، أَبْعَدَكَ اللهُ. فأبْعَدَهُ بمُجَرَّدِ احْتِيَالِه، ولم يُخْبِرْهُ أنَّ له الرُّجُوعَ. ولأنَّها بَراءَةٌ من دَيْنٍ ليس فيها قَبْضٌ ممَّن عليه، ولا ممَّن يَدْفَعُ عنه (١٤)، فلم يكُنْ فيها رُجُوعٌ, كما لو أَبْرَأَهُ من الدَّيْنِ، وحَدِيثُ عُثمانَ لم يَصِحَّ، يَرْوِيهِ خَالِدُ بن جَعْفَرٍ عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عن عثمانَ، ولم يَصِحَّ سَمَاعُه منه، وقد رُوِىَ أنَّه قال: في حَوَالَةٍ أو كَفَالَةٍ. وهذا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، ولا يَصِحُّ، ولو صَحَّ كان قولُ علىٍّ مُخالِفًا له. وقولُهم: إنَّه مُعَاوَضَةٌ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُفْضِى إلى بَيْعِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، وهو مَنْهِىٌّ عنه، ويُفَارِقُ المُعَاوَضَةَ بالثَّوْبِ؛ لأنَّ فى ذلك قَبْضًا يَقِفُ اسْتِقْرَارُ العَقْدِ عليه، وهاهُنا الحَوَالَةُ بمَنْزِلَةِ القَبْضِ، وإلَّا كان بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.


(١٠) سقط من: ب.
(١١) سقط من: أ. وهو في الأصل، ب، م، وفي م زيادة: "في" في أوله خطأ.
(١٢) التوى: الهلاك.
(١٣) في ب: "لأجل".
(١٤) في ب: "عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>