للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَثَةُ المَقْتُولِ ليَقْتُلُوه، فقالتِ امرأةُ المقْتولِ، وهى أخْتُ القاتل: قد عَفَوْتُ عن حَقِّى. فقال عمرُ: اللهُ أكبرُ، عَتَقَ الْقَتِيلُ. روَاه أبو داودَ (٩). وفي رِوايةٍ عن زَيْدٍ، قال: دَخَلَ رجلٌ على امْرأتِه، فوَجَدَ عندَها رَجُلًا، فقَتَلَها، فاسْتَعْدَى إخْوَتُها عمرَ، فقال بعضُ إخْوَتِها: قد تَصَدَّقْتُ. فقَضَى لسائِرِهِم بالدِّيَةِ (١٠). ورَوَى قتادةُ، أنَّ عمرَ رُفِعَ إليه رَجُلٌ قَتَلَ رجلًا، فجاء أولادُ المَقْتُولِ، وقد عَفَا بعضُهم، فقال عمرُ لابنِ مَسْعودٍ: ما تقول؟ قال: إنَّه قد أُحْرِزَ من القَتْلِ. فضَرَبَ على كَتِفِه، وقال: كُنَيْفٌ (١١) مُلِئَ عِلْمًا. والدليلُ على أنَّ القِصاصَ لجميعِ الوَرَثَةِ، ما ذكَرْناه في مسألةِ القِصاصِ بين الصَّغيرِ والكبيرِ، ولأنَّ من وَرِثَ الدِّيةَ وَرِثَ القِصاصَ، كالعَصَبةِ، فإذا عَفَا بعضُهم، صَحَّ عَفْوُه، كعَفْوِه عن سائرِ حُقُوقِه، وزَوَالُ الزَّوْجِيَّةِ لا يَمْنَعُ اسْتِحْقاقَ القِصاصِ، كما لم يَمْنَع أسْتحقاقَ الدِّيَةِ، وسائرِ حُقُوقِه المَوْرُوثةِ. ومتى ثَبَتَ أنَّه حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بين جَمِيعِهم، سَقَطَ بإسْقاطِ مَنْ كان من أهْلِ الإِسْقاطِ منهم؛ لأنَّ حَقَّه منه له، فيَنْفُذُ تَصَرُّفُه فيه، فإذا سَقَطَ سَقَطَ جَمِيعُه؛ لأنَّه ممَّا لا يتَبَعَّضُ، كالطَّلاقِ والعَتاقِ، ولأنَّ القِصاصَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بينهم لا يتَبَعَّضُ، مَبْناهُ على الدَّرْءِ والإِسْقاطِ، فإذا أسْقَطَ بعضُهم، سَرَى إلى الباقى كالعِتْقِ، والمرأةُ أحَدُ المُسْتَحِقِّينَ، فسَقَطَ بإسْقاطِها كالرَّجُلِ. ومتى عَفَا أحَدُهم، فللباقِينَ حَقُّهُم من الدِّيَةِ سِواءٌ عَفَا مُطْلَقًا أو إلى الدِّيَةِ. وبهذا قال أبوِ حنيفةَ، والشافعيُّ. ولا أعلمُ لهما مُخالِفًا ممَّن قال بسُقُوطِ القِصاصِ؛ وذلك لأنَّ حَقَّه من القِصاصِ سَقَطَ بغيرِ رِضَاه، فثَبَتَ له البَدَلُ، كما لو وَرِثَ القاتلُ بعضَ دَمِه أو مات، ولِمَا ذكَرْنا من خَبَرِ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه.


(٩) ليس في سنن أبي داود، وانظر الإرواء ٧/ ٢٧٩.
(١٠) أخرجه البيهقي، في: باب عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى ٨/ ٥٩. وعبد الرزاق، في: باب العفو، من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ١٣.
(١١) كُنَيْف: تصغير الكنف، وهو وعاء الأداة التي يعمل بها. انظر غريب الحديث ١/ ١٦٩. وأخرجه عبد الرزاق، في: باب العفو، من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ١٣. وذكره أبو عبيد في: غريب الحديث. الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>