للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جارِيَةٍ، فأمَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقِصاصِ، فعَفَا القَوْمُ (٥) إذا ثَبَتَ هذا، فالقِصاصُ حَقٌّ لجميعِ الوَرَثةِ من ذَوِى الأنْسابِ والأسْبابِ، والرجالِ والنِّساءِ، والصغارِ والكبارِ، فمن عَفَا منهم صَحَّ عَفْوُه، وسَقَطَ القِصاصُ، ولم يَبْقَ لأحَدٍ إليه سَبِيلٌ. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم؛ عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن عمرَ، وطاوُسٍ، والشَّعْبِىِّ. وقال الحسنُ، وقَتادةُ، والزُّهْرِىُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ: ليس للنِّساءِ عَفْوٌ. والمشهورُ عن مالكٍ، أنَّه مَوْرُوثٌ للعَصَباتِ خاصَّةً. وهو وجهٌ لأصْحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّه ثَبَتَ لدَفْعِ العارِ، فاخْتَصَّ به العَصَباتُ. كوِلاِيةِ النكاحِ. ولهم وجْهٌ ثالثٌ، أنَّه لِذَوِى الأنْسابِ دُونَ الزَّوْجَيْنِ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ، فأهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ بَيْنَ أنْ يَقتُلُوا، أوْ يأخُذُوا الْعَقْلَ" (٦). وأهلُه ذَوُو رَحِمِه. وذهب بعضُ أهلِ المدينةِ إلى أنَّ القِصاصَ لا يَسْقُطُ بعَفْوِ بعضِ الشُّرَكاءِ. وقيل: هو رِوايةٌ عن مالكٍ؛ لأنَّ حَقَّ غيرِ العافِى لا يَرْضَى بإسْقاطِه، وقد تُؤْخَذُ النَّفْسُ ببعضِ النَّفْسِ، بدليلِ قَتْلِ الجماعةِ بالواحدِ. ولَنا، عُمومُ قولِه عليه السلام: "فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ". وهذا عامٌّ في جميعِ أهْلِه، والمرأةُ من أهْلِه، بدليلِ قولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ يَعْذِرُنِى مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِى (٧) أذَاهُ فِي أهْلِى، ومَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِى إلَّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، ومَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أهْلِى إلَّا مَعِى". يُرِيدُ عائشةَ. وقال له أُسامةُ: يا رسولَ اللَّه، أهْلَكَ ولا نعلمُ إلَّا خيرًا (٨). ورَوَى زيدُ بنُ وَهْبٍ، أنَّ عمرَ أُتِىَ برَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا، فجاء


(٥) تقدم تخريجه، في صفحة ٥٣١.
(٦) تقدم تخريجه، في صفحة ٥١٦.
(٧) في م: "يبلغنى".
(٨) أخرجه البخاري، في: باب إذا عدل رجل أحدا. . ., وباب تعديل النساء بعضهن بعضا، من كتاب الشهادات، وفى: باب حديث الإفك، من كتاب المغازى، وفى: باب قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ. . .}، من كتاب التفسير. صحيح البخاري ٣/ ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢٩، ٥/ ١٥١، ٦/ ١٣٠. ومسلم، في: باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، من كتاب التوبة. صحيح مسلم ٤/ ٢١٣٣، ٢١٣٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>