للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضَرَبه بِعَصًا كانت معه، فطارَتْ منها شَظِيَّةٌ، فأصابتْ (٢٩) عَيْنَه ففَقَأتْها (٣٠)، فجَعَلَ عمرُ، رَضِىَ اللَّه عنه، دِيَتَه على عاقِلَتِه، وقال: هي يَدٌ من أيْدِى المسلمينَ، لم يُصِبْها اعْتِداءٌ على أحدٍ (٣١). ولم نَعْرِفْ له مُخالِفًا في عَصْرِه. ولأنَّها جنايةُ خَطإٍ، فكان عَقْلُها على عاقِلَتِه، كما لو قَتَلَ غيرَه. فعلى هذه الرِّوايةِ، إن كانت العاقِلةُ الوَرَثةَ، لم يَجِبْ شيءٌ؛ لأنَّه لا يَجِبُ للإِنسانِ شيءٌ على نَفْسِه، وإن كان بعضُهم وارِثًا، سَقَطَ عنه ما يُقابِلُ نَصِيبَه، وعليه ما زاد على نَصِيبِه، وله ما بَقِىَ إن كان نَصِيبُه من الدِّيَةِ أكثرَ من الواجِبِ عليه. والرِّواية الثانية، جِنايَتُه هَدْرٌ. وهذا قولُ أكثر أهلِ العلمِ، منهم؛ رَبِيعةُ، ومالكٌ، والثَّوْرىُّ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وهى أصَحُّ؛ لأنَّ عامِرَ بن الأَكْوعِ بارَزَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَر، فرَجَعَ سَيْفُه على نَفْسِه، فمات (٣٢)، ولم يَبْلُغْنا أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى فيه بِدِيَةٍ ولا غيرِها، ولو وجَبَتْ لبَيَّنَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولأنَّه جَنَى على نفسِه، فلم يَضْمَنْه غيرُه، كالعَمْدِ، ولأنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ على العاقلةِ إنَّما كان مُواساةً للجانِى، وتَخْفيفًا عنه، وليس على الجانِى ههُنا شيءٌ يَحْتاجُ إلى الإِعانةِ والمُواساةِ فيه، فلا وَجْهَ لإِيجابِه. ويُفارِقُ هذا ما إذا كانت الجِنايةُ على غيرِه، فإنَّه لو لم تَحْمِلْه العاقِلَةُ، لأَجْحَفَ به وُجُوبُ الدِّيَةِ لكَثْرَتِها. فأمَّا إن كانت جنايتُه (٣٣) على نَفْسِه شِبْهَ عَمْدٍ، فهل تَجْرِى مَجْرَى الخَطإِ؟ على وَجْهَيْن: أحدهما، هي كالخَطإِ؛ لأنَّها تُساوِيه فيما إذا كانتْ


(٢٩) في م: "ففقأت".
(٣٠) سقط من: م.
(٣١) لم نجده فيما بين أيدينا.
(٣٢) سقط من: ب. والحديث أخرجه البخاري، في: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى، وفي: باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، من كتاب الأدب، وفي: باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له، من كتاب الديات. صحيح البخاري ٥/ ١٦٦، ١٦٧، ٨/ ٤٢ - ٤٤، ٩/ ٩. ومسلم، في: باب غزوة خيبر، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم ٣/ ١٤٢٧ - ١٧٣٠. وأبو داود، في: باب في الرجل يموت بسلاحه، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ١٩، ٢٠. والنسائي، في: باب من قاتل في سبيل اللَّه فارتد عليه سيفه فقتله، من كتاب الجهاد. المجتبى ٦/ ٢٦، ٢٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٤٧، ٤٨، ٥١، ٥٢.
(٣٣) في ب، م: "الجناية".

<<  <  ج: ص:  >  >>