للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني بالمصانع: البِرَكَ التي صُنِعَتْ مَوْرِدًا للحاجِّ، يشربون منها، يجتمعُ فيها ماءٌ كثير يكْفِيهم (١) ويفْضُلُ عنهم، فتلك لا تتَنَجَّس بشيءٍ من النَّجاساتِ ما لم تتغَيَّرْ، لا نعلمُ أحدًا خالفَ في هذا. قال ابنُ الْمُنْذِر: أجْمَع أهلُ العِلْم على أنَّ الماءَ الكثيرَ، مِثْلَ الرِّجْلِ (٢) مِن البحر ونحوه، إذا وقعتْ فيه نجاسةٌ، فَلم تُغَيِّرْ له لَوْنًا ولا طَعْمًا ولا رِيحًا، أنه بحَالِه يُتَطَهَّر منه، فأمَّا ما يُمْكِنُ نَزْحُه إذا بلَغ قُلَّتَيْن فلا يتنَجَّس بشيءٍ من النَّجاسات، إلَّا ببَوْلِ الآدَمِيِّين، أو عَذِرَتِهم المائِعة؛ فإنَّ فيه رِوَايتَيْن عن أحمد، أشْهرُهما: أنه يتنَجَّس بذلك.

رُوِىَ نحوُ هذا عن عليٍّ، والحسن البصريّ. قال الخَلَّالُ: وحُدِّثنا عن عليٍّ رضِيَ اللَّه عنه بإسْنادٍ صحيحٍ، أنه سُئل عن صَبِيٍّ بالَ في بئرٍ، فأمرَهم أن ينْزِفُوها (٣)، ومثلُ ذلك عن الحسن البصْرِيّ.

ووَجْهُ ذلك: ما روَى أبو هُرَيرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "لَا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الذي لَا يَجْرِى، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ". مُتَّفَقٌ عليه (٤). وفي لَفْظٍ: "ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ". صحيح. وللبُخارِيّ: "ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيه". وهذا مُتناوِلٌ للقليلِ والكثير، وهو خاصٌّ في البَوْلِ، (٥) وأصَحُّ مِن خَبَرِ (٦) القُلَّتَيْن فَيتَعَيَّنُ تَقْدِيمُه.

والرِّواية الثانية، أنه لا يتَنَجَّس ما لم يتغَيَّرْ، كسائِر النَّجاسات، اخْتارَها أبو الخَطَّاب، وابنُ عَقِيل، وهذا مذهبُ الشافعيِّ، وأكثرُ أهلِ العلم لا يُفرِّقون بين البَوْلِ وغيرِه من النَّجاسات؛ لِقَوْلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا بَلَغ الْمَاءُ قُلَّتَيْن لَمْ يَنْجُسْ". ولأنَّ نجاسةَ (٧) بول الآدَمِيِّ لا تزيدُ علَى نجاسةِ بَوْلِ الكلبِ، [وهو] (٨) لا


(١) سقط من: م.
(٢) الرجل من البحر: خليجه.
(٣) في م: "ينزحوها".
(٤) تقدم في مسألة ٣، صفحة ٣٢، وانظر أيضًا ٣٤، ٤٢.
(٥) في م: "بالبول".
(٦) في م: "حديث".
(٧) سقط من: م.
(٨) في الأصل: "ثم".

<<  <  ج: ص:  >  >>