للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ على أنَّ القارِىء مع جَمَاعةٍ أُمِّيِّينَ حتى إذا فَسَدَتْ صَلاةُ القَارِىءِ بَقِىَ خَلْفَ الإِمامِ اثْنانِ فصَاعِدًا. فإن كان معه أُمِّىٌّ واحِدٌ، وكانا خَلْفَ الإِمامِ أعادَا جَميعًا؛ لأنَّ الأُمِّىَّ صَارَ فَذًّا. والظَّاهِرُ أنَّ الخِرَقِىَّ إنَّما قَصَدَ بَيانَ مَنْ تَفْسُدُ صَلَاتُه بالائْتِمامِ بالأُمِّىِّ، وهذا يَخُصُّ القَارِيءِ دُونَ الأُمِّىِّ، ويَجُوزُ أن تَصِحَّ صَلَاةُ الأُمِّىِّ؛ لِكَوْنِه عن يَمِينِ الإِمامِ، أو كَوْنِهما جَمِيعًا عن يَمينِه، أو معهم أُمِّىٌّ آخَرُ، وإن فَسَدَتْ صَلَاتُه لِكَوْنه فَذًّا، فما فَسَدَتْ لائْتِمَامِه بمِثْلِه، إنَّما فَسَدَتْ لِمَعْنًى آخَرَ. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ في الجديد، وقيل عنه: يَصِحُّ أن يَأْتَمَّ القَارِيءُ بالأُمِّىِّ في صلاةِ الإِسْرَارِ دون صلاةِ الجَهْرِ. وقيل عنه: يجوزُ أن يَأْتَمَّ به في الحَالَيْنِ؛ لأنَّه عَجَزَ عن رُكْنٍ، فَجازَ للقَادِرِ عليه الائْتِمَامُ به، كالقَاعِدِ بالقَائِمِ. وقال أبو حنيفةَ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الإِمامِ أيضًا؛ لأنَّه لمَّا أَحْرَمَ معه القَارِىءُ لَزِمَتْهُ القِرَاءَةُ عنه، لِكَوْنِ الإِمامِ يتَحَمَّلُ (١) القِرَاءَةَ عن المَأْمُومِ، فعَجَزَ عنها، فَفَسدَتْ صَلاتُه. ولَنا على الأَوَّلِ، أنَّه ائْتَمَّ بعَاجِزٍ عن رُكْنٍ سِوَى القِيامِ يَقْدِرُ عليه المَأْمُومُ، فلم تَصِحَّ، كالمُؤْتَمِّ بالعاجِزِ عن الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، ولأنَّ الإِمامَ يَتَحَمَّلُ القِرَاءةَ عن المَأْمُومِ، وهذا عاجِزٌ عن التَّحَمُّلِ لِلْقِرَاءةِ الوَاجِبَةِ على المَأْمُومِ، فلم يَصِحَّ له الائْتِمَامُ به، لِئَلَّا يُفْضِى إلى أن يُصَلِّىَ بغير قِرَاءةٍ، وقِيَاسُهم يَبْطُلُ بالأخْرَسِ والعاجِزِ عن الرُّكُوعِ والسُّجُودِ والقِيَامِ (٢)، ولا مَدْخَلَ للتَّحَمُّلِ فيه، بخِلافِ القِراءةِ. ولنا على صِحَّةِ صلاةِ الإِمامِ، أنَّه أَمَّ مَن لا يَصِحُّ له الائْتِمامُ به، فلم تَبْطُلْ صلاتُه، كما لو أمَّتِ امْرَأَةٌ رَجُلًا ونِسَاءً. وقَوْلُهم: إنَّه يلْزَمُه (٣) القِرَاءةُ عن القَارِيءِ. لا يَصحُّ؛ لأن اللهَ تعالى قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} (٤). ومَنْ لا تَجِبُ عليه القِرَاءَةُ عن نَفْسِه، فعَنْ غَيْرِه أوْلَى. وإن أَمَّ


(١) في أ، م: "يحتمل".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في أ، م: "يلزم".
(٤) سورة البقرة ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>