للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاةِ، أو قبلَ ذلك، وعلى من صَلَّى وَرَاءَه الإِعادَةُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْرٍ، والمُزَنِىُّ: لا إعادةَ على مَن صَلَّى خَلْفَه، وهو لا يَعْلَمُ؛ لأنَّه ائْتَمَّ بِمَنْ لا يَعْلَمُ حَالَه، فأَشْبَهَ ما لو ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ. ولَنا، أنَّه ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ من أهْلِ الصَّلاةِ، فلم تَصِحَّ صَلاتُه، كما لو ائْتَمَّ بمَجْنُونٍ، وأمَّا المُحْدِثُ فَيُشْتَرَطُ أن لا يَعْلَمَ حَدَثَ نَفْسِه، والكَافِرُ يَعْلَمُ حالَ نَفْسِه. وأما المَرْأةُ فلا يَصِحُّ أن يَأْتَمَّ بها الرَّجُلُ بحَال، في فَرْضٍ ولا نَافِلَةٍ، في قول عامَّةِ الفُقَهَاءِ، وقال أبو ثَوْرٍ: لا إعادَةَ على مَن صَلَّى خَلْفَها. وهو قِيَاسُ قَوْلِ المُزنِىِّ. وقال بعضُ أصْحَابِنا: يَجُوزُ أن تَؤُمَّ الرِّجَالَ في التَّرَاوِيح، وتكونُ وَراءَهُم؛ لما رُوِىَ عن أُمِّ وَرَقَةَ بنت عَبْدِ اللهِ بن الحارِثِ، أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ لها مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لها، وأَمَرَها أن تَؤُمَّ أهْلَ دَارِها. رَوَاه أبو دَاوُدَ (١). وهذا عَامٌّ في الرِّجالِ والنِّساءِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَؤُمَّنَّ امرَأَةٌ رَجُلًا" (٢)، ولأنَّها لا تُؤَذِّنُ لِلرِّجالِ، فلم يَجُزْ لها (٣) أن تَؤُمَّهُمْ، كالمَجْنُونِ، وحَدِيثُ أمِّ ورقَةَ إنَّما أَذِنَ لها أن تَؤُمَّ نِسَاءَ (٤) أهْلِ دَارِها، كذلك رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (٥). وهذه زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُها، ولو لم يُذْكَرْ ذلك لَتعَيَّنَ حَمْلُ الخَبَرِ عليه؛ لأنَّه أذِنَ لها أن تَؤُمَّ في الفَرَائِضِ، بِدَلِيلِ أنَّه جَعَلَ لها مُؤَذِّنًا، والأذَانُ إنَّما شُرِعَ (٦) في الفَرَائِضِ، ولا خِلافَ في أنَّها لا تَؤُمُّهم في الفَرَائِضِ، ولأنَّ تَخْصِيصَ ذلك بالتَّرَاوِيحِ واشْتِرَاطَ تَأَخُّرِها تَحَكُّمٌ يُخَالِفُ الأُصُولَ بغيرِ دَلِيلٍ، فلا يجُوزُ المَصِيرُ إليه، ولو قُدِّرَ ثُبُوتُ ذلك لأُمِّ وَرَقَةَ، لَكان خَاصًّا


(١) في: باب إمامة النساء، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٣٩.
وكذلك أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٤٠٥.
(٢) تقدم في صفحة ١٩.
(٣) سقط من: م.
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في: باب في ذكر الجماعة وأهلها وصفة الإمام، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني ١/ ٢٧٩.
(٦) في م: "يشرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>