وقال عَبْدَةُ بن أبي لُبابةَ (٤)، والثَّوْرِىُّ، وابن المَاجِشُون (٥)، وابن مَسْلَمة (٦): يَتَوَضَّأُ ويتَيَمَّم.
قال مالك: ويُغْسَلُ الإِناءُ الذي ولَغ فيه الكلبُ تَعبُّدًا.
واحْتَجَّ بعضُهم على طهارته بأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (٧) ولم يأْمُرْ بغَسْلِ ما أصابَه فَمُهُ، وروَى ابنُ ماجَه بإسْنادِه، عن أبي سعيد الخُدْرِىِّ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن الْحِيَاضِ التي بين مكة والمدينة، تَرِدُها السِّباعُ والكلابُ والْحُمُرُ، وعن الطهارة بها؟ فقال: "لهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ" ولأنه حيوانٌ فكان طاهِرًا كالمأْكولِ.
ولنا ما رَوَى أبو هُرَيْرة، رضىَ اللَّه عنه، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا" مُتَّفَقٌ عليه (٨)، ولمُسْلم: "فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ". (٩) ولو كان سُؤْرُه طاهِرًا لم تَجُزْ إراقَتُه، ولا وجَب غَسْلُه.
فإن قِيل: إنَّما وجَب غَسْلُه تَعبُّدًا، كما تُغْسَلُ أعضاءُ الوضوءِ وتُغْسلُ اليَدُ مِن نَوْمِ الليلِ.
قُلْنا: الأصلُ وجُوبُ الغَسْلِ من النجاسةِ؛ بدليلِ سائرِ الغَسْل، ثم لو كان تَعَبُّدًا لمَا أمرَ بإراقةِ الماءِ، ولمَا اخْتَصَّ الغَسْلَ بموضعِ الوُلُوغ؛ لِعُمومِ اللفظِ في الإِناءِ كلِّه. وأمَّا غَسْلُ اليَد من النوم (١٠) فإنما أمَر به للِاحْتياطِ؛ لاحْتمالِ أن تكونَ يدُه قد
(٤) أبو القاسم عبدة بن أبي لبابة الأسدى الغضائرى، مولاهم، كوفى ثقة، نزل دمشق، وروى عن ابن عمر وابن عمرو وغيرهما. تهذيب التهذيب ٦/ ٤٦١، ٤٦٢.
(٥) أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد اللَّه التيمى، مولاهم، الفقيه المالكى، كان عليه مدار الفتوى في زمانه، توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين. الديباج المذهب ٢/ ٦، ٧.
(٦) أبو هشام محمد بن مسلمة بن محمد، أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك، ثقة مأمون حجة في العلم، توفى سنة ست ومائتين. الديباج المذهب ٢/ ١٥٦.
(٧) سورة المائدة ٤.
(٨) تقدم في صفحة ١٧.
(٩) في م: "مرات"، والمثبت في: الأصل، وصحيح مسلم.
(١٠) في أ: "نوم الليل".