للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ ذلك إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَحْمَةُ اللهِ عليهم، بِدَلِيلِ أنَّ منهم (٦) مَن كان يُتِمُّ الصلاةَ، ولم يُنْكِر البَاقُونَ عليه، بِدَلِيلِ حَدِيثِ أنَسٍ، وكانت عائشةُ تُتِمُّ الصلاةَ. [رواهُ البُخارىّ ومسلمٌ] (٧). وأتَمَّهَا عُثمانُ، وابنُ مسعودٍ، وسعدٌ. وقال عَطاءٌ: كانت عائشةُ وسَعْدٌ يُوفِيَانِ الصلاةَ في السَّفَرِ، ويَصُومانِ، ورَوَى الأثرَمُ بإسْنَادِهِ، عن سَعْدٍ، أنه أقامَ بعَمَّانَ (٨) شَهْرَيْنِ، فكان يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، ونُصَلِّى (٩) أرْبَعًا (١٠). وعن الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ، قال: أقَمْنَا مع سَعْدٍ ببَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُها سَعْدٌ ونُتِمُّها (١٠). وسَألَ ابنَ عَبَّاسٍ رجلٌ، فقال: كنتُ أُتِمُّ الصلاةَ في السَّفَرِ. فلم يَأْمُرْهُ بالإِعادةِ. فأمَّا قولُ عائشةَ: فُرِضَت الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ. فإنَّما أرَادَتْ أنَّ ابْتِدَاءَ فَرضِها كان رَكْعَتَيْنِ، ثم أُتِمَّتْ بعد الهِجْرَةِ، فصَارَتْ أرْبَعًا. وقد صَرَّحَتْ بذلك حين شَرَحَتْ، ولذلك كانت تُتِمُّ الصلاةَ، ولو اعْتَقَدَتْ ما أرادَ هؤلاءِ لم تُتِمَّ. وقولُ ابنِ عَبَّاسٍ مثلُ قَوْلِها، ولا يَبْعُدُ أن يكونَ أخَذَهُ منها، فإنَّه لم يكنْ في زَمَنِ فَرْضِ الصلاةِ في سِنِّ مَن يَعْقِلُ الأحْكامَ، ويَعْرِفُ حَقائِقَها، ولَعَلَّه لم يكنْ مَوْجُودًا، أو كان فَرْضُها في السَّنَةِ التي وُلِدَ فيها، فإنَّها فُرِضَتْ بمَكَّة لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ قبلَ الهِجْرَةِ بِثلاثِ سِنِينَ، وكان ابنُ عَبَّاسٍ حين مات النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنَ ثَلَاثَ عشرةَ سَنَةً، وفي حَدِيثِه ما اتُّفِقَ على تَرْكِه، وهو قولُه: والخَوْفُ رَكْعَة. والظَّاهِرُ أنَّه أرَادَ ما أرَادَتْ عائشةُ مِن ابْتِداءِ الفَرْضِ، فلذلك لم يَأْمُر من أتَمَّ بالإِعادةِ. وقولُ عمرَ: تَمَامٌ غير قَصْرٍ. أرَادَ بها تَمامٌ في فَضْلِها غيرُ


(٦) في م: "فيهم".
(٧) في أ، م: "رواهما مسلم والبخاري".
وتقدم حديث عائشة في صفحة ١١٤.
(٨) في أ، م: "بمعان". وانظر "حاشية مصنف عبد الرزاق".
(٩) في النسخ: "ويصلى".
(١٠) أخرج الأول ابن أبي شيبة، في: باب في المسافر يطيل المقام في المصر، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٤٥٣. والثانى عبد الرزاق، في: باب الرجل يخرج في وقت الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٥٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>