للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخُطْبَةَ، مَأْخُوذٌ مِن بَاكُورَةِ الثَّمَرَةِ، وهى أوَّلُها. وغيرُ هذا أجْوَدُ؛ لأنَّ مَن جاءَ في بُكْرَةِ النَّهَارِ، لَزم أن يَحْضُرَ أوَّلَ الخُطْبَةِ. وقوله: "غَسَّلَ واغْتَسَلَ" أي جَامَعَ امْرَأتَه ثم اغْتَسَلَ. ولهذا قال في الحَدِيثِ الآخَرِ: "من اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ" (١٥). قال أحمدُ: تَفْسِيرُ قَوْلِه: "من غَسَّلَ واغْتَسَلَ" مُشَدَّدَةً، يُرِيدُ يُغَسِّل أهْلَه، وكان (١٦) غيرُ وَاحِدٍ من التَّابِعِينَ: عبدُ الرحمنِ بن الأسْوَدِ، وهِلَالُ بن يَساف (١٧)، يَسْتَحِبُّونَ أن يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أهْلَه يَوْمَ الجُمُعَةِ، وإنَّما هو علَى أنْ يَطَأَ. وإنَّما اسْتُحِبَّ ذلك ليكونَ أسْكَنَ لِنَفْسِه، وأغَضَّ لِطَرْفِهِ في طَرِيقهِ. ورُوِىَ ذلك عن وَكِيعٍ أيضًا. وقيل: المُرَادُ به غَسَّلَ رَأْسَه، واغْتَسَلَ في بَدَنِه. حُكِيَ هذا عن ابنِ المُبَارَكِ. وقوله: "غُسْلَ الجَنَابَةِ" على هذا التَّفْسِيرِ. أي كغُسْلِ الجَنَابَةِ. وأمَّا قولُ مالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِلْآثَارِ؛ لأنَّ الجُمُعَةَ يُسْتَحَبُّ فِعْلُها عند الزَّوَالِ، وكان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُبَكِّرُ بها، ومتى خَرَجَ الإِمَامُ طُوِيَت الصُّحُفُ، فلم يُكْتَبْ مَن أتَى الجُمُعَةَ بعدَ ذلك، فأىُّ فَضِيلَةٍ لهذا؟ وإن أخَّرَ بعدَ ذلك شَيْئًا دَخَلَ في النَّهْي والذَّمِّ، كما قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للذى جَاءَ يَتَخَطَّى النَّاسَ: "رَأَيْتُكَ آنَيْتَ وآذَيْتَ" (١٨). أي أخَّرْتَ المَجِىءَ. وقال عمرُ لعثمانَ حين جاءَ وهو يَخْطُبُ: أىُّ سَاعَةٍ هذه؟ على سَبِيلِ الإِنْكَارِ عليه. وإن أَخَّرَ أَكْثَرَ من هذا فاتَتْهُ الجُمُعَةُ،


(١٥) أخرجه البخاري، في: باب فضل الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري ٢/ ٣. ومسلم، في: باب الطيب والسواك يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم ٢/ ٥٨٢. وأبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٨٥. والترمذي، في: باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى ٢/ ٢٨٦. والإِمام مالك، في: باب العمل في غسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. الموطأ ١/ ١٠١. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٤٦٠.
(١٦) سقطت "كان" من: ا، م.
(١٧) هلال بن يساف - ويقال: ابن إساف - الأشجعي مولاهم الكوفي، أدرك عليا رضي اللَّه عنه، ثقة، كثير الحديث. تهذيب التهذيب ١١/ ٨٦، ٨٧.
(١٨) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في النهي عن تخطى الناس يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٥٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ١٨٨، ١٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>