للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعثمانُ مَحْصُورٌ، فلم يُنْكِرْهُ أحَدٌ، وصَوَّبَ ذلك عمانُ، وأمَرَ بالصلاةِ معهم. فَرَوَى حُمَيْدُ بن عبدِ الرحمنِ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عَدِىّ بن الْخِيَار، أنَّه دَخَلَ على عثمانَ وهو مَحْصُورٌ، فقال: إنَّه قد نَزَلَ بك ما تَرَى، وأنتَ إمَامُ العَامَّةِ، [وهو يُصَلِّى بنا إمَامَ فِتْنَةٍ، وأنا أَتَحَرَّجُ من الصَّلَاةِ معه] (١٦). فقال: إنَّ الصَّلَاةَ مِن أحْسَنِ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فإذَا أحْسَنُوا فأحْسِنْ معهم، وإذا أساءُوا فاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُم. أخْرَجَهُ البُخَارِىُّ (١٧)، والأثْرَمُ. وهذا لَفْظُ رِوَايَةِ الأثْرَمِ. وقال أحْمَدُ: وَقَعَتِ الفِتْنَةُ بالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فكانوا يُجَمِّعُونَ. ورَوَى مَالِكٌ، في "المُوَطَّأ" (١٨) عن أبى جَعفرٍ القَارِئ، أنَّه رَأى صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ في الفِتْنَةِ حين حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فخَرَجَ يَتْبَعُ النَّاسَ، يقولُ: مَن يُصَلِّى بالنّاسِ. حتى انْتَهَى إلى عبدِ اللهِ بن عمرَ، فقال له عبدُ اللهِ بن عمَرَ: تَقَدَّمْ أنتَ فَصَلِّ بين يَدَى النَّاسِ. ولأنَّها مِن فَرَائِضِ الأعْيَانِ، فلم يُشْتَرَطْ لها إذْنُ الإِمامِ، كالظُّهْرِ، ولأنَّها صلاةٌ أَشْبَهَتْ سائِرَ الصَّلَوَاتِ. وما ذَكَرُوهُ إجْمَاعًا لا يَصِحُّ، فإنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ الجُمُعَاتِ في القُرَى من غير اسْتِئْذَانِ أحَدٍ، ثم لو صَحَّ أنَّه لم يَقَعْ إلَّا ذلك لَكان إجْماعًا على جَوَازِ ما وَقَعَ، لا علَى تَحْرِيمِ غيرِه، كالحَجِّ يَتَوَلَّاهُ الأئِمَّةُ، وليس بِشَرْطٍ فيه. فإنْ قُلْنا: هو شَرْطٌ. فلم يَأْذَن الإِمامُ فيه (١٩)، لم يَجُزْ أن يُصَلُّوا جُمُعَةً، وصَلَّوْا ظُهْرًا. وإنْ أذِنَ في إقَامَتِها ثم مات، بَطَلَ إذْنُه بِمَوْتِه (١٩). فإنْ صَلَّوْا، ثم بَانَ أنَّه قد مَاتَ قبلَ ذلك، فهل تُجْزِئُهم صَلَاتُهم؟ على رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهما، أنَّها تُجْزِئُهم؛ لأنَّ المُسْلِمِينَ في الأمْصارِ النَّائِيَةِ عن بَلَدِ الإِمامِ لا يُعِيدُونَ ما صَلَّوْا من الجُمُعَاتِ بعدَ مَوْتِه، ولا نَعْلَمُ أحَدًا أنْكَرَ ذلك عليهم، فكان إجْماعًا. ولأنَّ وُجُوبَ الإِعادَةِ


(١٦) في صحيح البخاري: "ويصلى لنا إمام فتنة ونتحرج".
(١٧) في: باب إمامة المفتون والمبتدع، من كتاب الأذان. صحيح البخاري ١/ ١٧٨.
(١٨) لم نجده في نسخة الموطأ التي بين أيدينا.
(١٩) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>