للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ عُثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، صَلَّى العِيدَ في يَوْمِ جُمُعَةٍ، ثم قال لأهْلِ العَوالِى (٧): مَن أرادَ منكم أن يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، ومن أرادَ أن يُقِيمَ حتى يُصَلِّىَ الجُمُعَةَ فَلْيُقِمْ. ولأنَّهم خَارِجُ المِصْرِ، فأشْبَهَ أهْلَ الحِلَلِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. وهذا يَتناوَلُ غيرَ أهْلِ المِصْرِ إذا سَمِعُوا النِّداءَ، وحَدِيثُ عبدِ اللهِ بن عمرٍو، ولأنَّ غيرَ أهْلِ المِصْرِ يَسْمَعُونَ النِّداءَ، وهم من أهْلِ الجُمُعَةِ، فَلَزِمهم السَّعْىُ إليها، كأهْلِ المِصْرِ. وحديثُ أبى هُرَيْرَةَ غيرُ صَحِيحِ، يَرْوِيهِ عبدُ اللَّه بنُ سَعِيدٍ المَقْبُرِىّ، وهو ضَعِيفٌ، قال أحمدُ بنُ الحسنِ (٨): ذَكَرْتُ هذا الحَدِيثَ لأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، فغَضِبَ، وقال: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ. وإنَّما فَعَلَ أحمدُ هذا، لأنَّه لم يَرَ الحَدِيثَ شَيئًا لحالِ إسْنَادِه. قال ذلك التِّرْمِذِىُّ. وأما تَرْخِيصُ عُثمانَ لأهْلِ العَوَالِى، فلأنَّه إذا اجْتَمَعَ عِيدَانِ اجْتُزِئَ بالعِيدِ، وسَقَطَتِ الجُمُعَةُ عمَّن حَضَرَهُ، علَى ما قَرَّرْناهُ فيما مَضَى. وأما اعْتِبارُ أهْلِ القُرَى بأهْلِ الحِلَلِ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ أهْلَ الْحِلَلِ غيرُ مُسْتَوْطِنِينَ، ولا هم سَاكِنُون بِقَرْيَةٍ، ولا في مَوْضِعٍ جُعِلَ للاسْتِيطانِ. وأما اعْتِبارُ حَقِيقَةِ النِّداءِ فلا يُمْكِنُ؛ لأنَّه قد يكونُ من النَّاسِ الأصَمُّ وثَقِيلُ السَّمْعِ، وقد يكونُ النِّداءُ بين يَدَىِ المِنْبَرِ، فلا يَسْمَعُه إلَّا مَن في الجامِعِ، وقد يكونُ المُؤَذِّنُ خَفِىَّ الصَّوْتِ، أو في يَوْمٍ ذِى رِيحٍ، ويكونُ المُسْتَمِعُ نائِمًا أو مَشْغُولًا بما يَمْنَعُ السَّماعَ، فلا يَسْمَعُ، ويَسْمَعُ مَن هو أَبْعَدُ منه، فيُفْضِى إلى وُجُوبِها على البَعِيدِ دونَ القَرِيبِ، وما هذا سَبِيلُه يَنْبَغِى أن يُقَدَّرَ بِمِقْدَارٍ لا يَخْتَلِفُ، والمَوْضِعُ الذي يُسْمَعُ منه النِّدَاءُ في الغَالِبِ - إذا كان المُنَادِى صَيِّيتًا، في مَوْضِع عالٍ، والرِّيحُ سَاكِنَةٌ، والأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، والمُسْتَمِعُ سَمِيعٌ غيرُ سَاهٍ ولا


(٧) العوالى: ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال. معجم البلدان ٣/ ٧٤٣.
(٨) أبو الحسن أحمد بن الحسن الترمذي، حدث البخاري عنه في "الصحيح" عن الإِمام أحمد، ونقل عن الإِمام أحمد مسائل كثيرة. طبقات الحنابلة ١/ ٣٧، ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>