للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَىَّ غَيْرُهُنَّ؟ قال: "لَا إلَّا أنْ تَطَوَّعَ" (٤٠). وقولُه عليه السَّلَامُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى العَبْدِ [في الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ] (٤١) ". الحَدِيث (٤٢). ولأنَّها صَلاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وسُجُودٍ لم يُشْرَعْ لها أذَانٌ، فلم تَجِب ابْتِداءً بالشَّرْعِ، كصلاةِ الاسْتِسْقاءِ والكُسُوفِ. ثم اخْتَلَفُوا، فقال بعضُهم: إذا امْتَنَعَ جَمِيعُ النّاسِ من فِعْلِها قَاتَلَهُم الإِمامُ عليها. وقال بعضُهم: لا يُقَاتِلُهم. ولنَا، على أنَّها لا تَجِبُ على الأعْيانِ، أنَّها لا يُشْرَعُ لها الأذانُ، فلم تَجِبْ على الأعْيانِ، كصلاةِ الجِنازةِ، ولأنَّ الخَبَرَ الذي ذَكَرَه مالِكٌ ومَن وَافَقَهُ يَقْتَضِى نَفْىَ وُجُوبِ صَلَاةٍ سِوَى الخَمْسِ، وإنَّما خُولِفَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن صَلَّى معه، فيَخْتَصُّ بمَن كان مِثْلَهم، ولأنَّها لو وَجَبَتْ على الأعْيانِ لَوَجَبَتْ خُطْبَتُها، وَوَجَبَ اسْتِماعُها كالجُمُعَةِ. ولَنا، على وُجُوبِها في الجُمْلَةِ، أمْرُ اللهِ تعالى بها، بِقَوْلِه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. والأمْرُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ، ومُدَاوَمَةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على فِعْلِها، وهذا دَلِيلُ الوُجُوبِ. ولأنَّها من أعْلامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، فكانت وَاجِبَةً كالجُمُعَةِ، ولأنَّها لو لم تَجِبْ لم يَجِبْ قِتَالُ تَارِكِيها (٤٣)، كسَائِرِ السُّنَنِ، يُحَقِّقُه أنَّ القِتالَ عُقُوبَةٌ لا تَتَوَجَّهُ إلى تارِكِ مَنْدُوبٍ كالقَتْلِ والضَّرْبِ. فأمَّا حَدِيثُ الأعْرَابِىِّ فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّ الأَعْرابَ لا تَلْزَمُهُم الجُمُعَةُ، لِعَدَمِ الاسْتِيطانِ، فالعِيدُ أوْلَى. والحَدِيثُ الآخَرُ مَخْصُوصٌ بما ذَكَرْنَاهُ، على أنَّه إنَّما صَرَّحَ بِوُجُوبِ الخَمْسِ، وخَصَّهَا بالذِّكْرِ، لتأكُّدِها (٤٤) وَوُجُوبِها على الأعْيانِ، وَوُجُوبِها على الدَّوامِ، وتَكَرُّرِهَا في كل يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، وغيرُها يَجِبُ نَادِرًا ولِعَارِضٍ، كصلاةِ الجِنازَةِ والمَنْذُورَةِ والصلاةِ


(٤٠) تقدم تخريجه في ٢/ ٧.
(٤١) سقط من: أ، م.
(٤٢) تقدم تخريجه في ٢/ ٧.
(٤٣) في الأصل: "تاركها".
(٤٤) في أ، م: "لتأكيدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>