للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصلاةُ ها هُنا صَلَاةُ العِيدِ، وحَلَّتْ من الحُلُولِ كقَوْلِهم: حَلَّ الدَّيْنُ. إذا جَاءَ أجَلُه. والثانِى، مَعْنَاهُ إذا أُبِيحَتِ. الصلاةُ. يَعْنِى النَّافِلَةَ، ومَعْنَاهُ إذا خَرَجَ وَقْتُ النَّهْىِ، وهو إذا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قِيدَ (٢) رُمْحٍ، وحَلَّتْ من الحِلِّ وهو الإِباحةُ، كَقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} (٣). وهذا المَعْنَى أحْسَنُ، لأنَّ فيه تَفْسِيرًا لِوَقْتِها، وَتَعْرِيفًا له بالوَقْتِ الذي عُرِفَ في مَكانٍ آخَرَ. وعلى القَوْلِ الأَوَّل ليس فيه بَيانٌ لِوَقْتِها، فعلى هذا يكونُ وَقْتُها من حين تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، إلى أنَ يَقُومَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وذلك ما بين وَقْتَىِ النَّهْىِ عن صلاةِ النَّافِلَةِ. وقال أصحابُ الشَّافِعِىِّ: أوَّلُ وَقْتِها إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ؛ لما رَوَى يَزِيدُ بن خُمَيْرٍ، قال: خَرَجَ عبدُ اللهِ بن بُسْرٍ، صَاحِبُ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أو أضْحَى، فأنْكَرَ إبْطاءَ الإِمامِ، وقال: إنَّا كُنَّا قد فَرغْنَا سَاعَتَنا هذه. وذلك حِينَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. رَوَاه أبو دَاوُدَ، وابْنُ مَاجَه (٤). ولَنا، ما رَوَى عُقْبةُ بنُ عامِرٍ، قال: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَانَا أن نُصَلِّىَ فِيهنَّ، وأن نَقْبُرَ فِيهنَّ مَوْتَانا؛ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتى تَرْتَفِعَ (٥). ولأنَّه وَقْتٌ نُهِىَ عن الصلاةِ فيه، فلم يَكُنْ وَقْتًا لِلْعِيدِ، كقَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن بَعْدَه لم يُصَلُّوا حتى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، بِدَلِيلِ الإِجْمَاعِ علَى أنَّ الأفْضَلَ فِعْلُها في ذلك الوَقْتِ، ولم يكن النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيَفْعَلَ (٦) إلَّا الأَفْضَلَ والأوْلَى، ولو كان لها وَقْتٌ قبلَ ذلك، لَكان تَقْيِيدُه بِطُلُوعِ الشَّمْسِ تَحَكُّمًا بغيرِ نَصٍّ ولا مَعْنَى نَصٍّ، ولا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بالتَّحَكُّمِ. وأمَّا حَدِيثُ عَبدِ اللهِ بن بُسْرٍ، فإنَّه أَنْكَرَ إبْطاءَ الإِمامِ عن وَقْتِها المُجْمَعِ


(٢) قيد رمح: قدر رمح.
(٣) سورة الأعراف ١٥٧.
(٤) أخرجه أبو داود، في: باب وقت الخروج إلى العيد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٥٦. وابن ماجه، في: باب وقت صلاة العيدين، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٤١٨.
(٥) تقدم تخريجه في ٢/ ٥١٤.
(٦) في أ، م: "يفعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>