للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجَهَرَ فيها بالقِرَاءَةِ. قال التِّرْمِذِىُّ (١٣): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ولأنَّها نَافِلَةٌ شُرِعَتْ لها الجَمَاعَةُ، فكان من سُنَنِها الجَهْرُ كصلاةِ الاسْتِسْقاءِ والعِيدِ والتَّرَاوِيحِ. فأمَّا قَوْلُ عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها: حَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ. ففى إسْنَادِه مقَالٌ؛ لأنَّه من رِوَايَةِ ابن إسْحاقَ. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ سَمِعَتْ صَوْتَهُ ولم تَفْهَمْ لِلْبُعْدِ، أو قَرَأَ من غيرِ أوَّلِ القُرْآنِ بِقَدْرِ البَقَرَةِ. ثم حَدِيثُنَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ، فكيف يُعَارَضُ بمِثْلِ هذا! وحَدِيثُ سَمُرَةَ يجوزُ أنَّه لم يَسْمَعْ لِبُعْدِه؛ فإنَّ في حَدِيثِه: دُفِعْتُ إلى المَسْجِدِ، وهو بِأُزَزٍ (١٤). يعني مُغْتَصًّا بالزِّحامِ. قالَه الخَطَّابِىُّ (١٥). ومَنْ هذا حَالُه لا يَصِلُ مكانًا يَسْمَعُ منه. ثم هذا نَفْىٌ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فكيف يُتْرَكُ من أجْلِه الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ! وقِياسُهم مُنْتَقِضٌ بالجُمُعَةِ والعِيدَيْنِ والاسْتِسْقاءِ، وقِياسُ هذه الصلاةِ على هذه الصَّلَوَاتِ أوْلَى من قِياسِها على الظُّهْرِ؛ لِبُعْدِها منها، وشَبَهِها بهذه. وأمَّا الدَّلِيلُ على صِفَةِ الصلاةِ، فرَوَتْ عائشةُ، قالت: خَسِفَتِ الشَّمْسُ في حَيَاةِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخَرَجَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المَسْجِدِ، فقَامَ، وكبَّرَ، وصَفَّ النّاسُ وَرَاءَهُ، فاقْتَرَأَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثم كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثم رَفَعَ رَأْسَه، فقال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ


(١٣) في: باب ما جاء كيف القراءة في الكسوف، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى ٣/ ٤١. كما أخرجه البخاري، في: باب الجهر بالقراءة في الكسوف، من كتاب الكسوف. صحيح البخاري ٢/ ٤٩. ومسلم، في: باب صلاة الكسوف، من كتاب الكسوف. صحيح مسلم ٢/ ٦٢٠. وأبو داود، في: باب القراءة في صلاة الكسوف، من كتاب الاستسقاء. سنن أبي داود ١/ ٢٧١. والنسائي، في: باب الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، من كتاب الكسوف. المجتبى ٣/ ١٢٠. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٦٥.
(١٤) بأزز: أي بجمع كثير. وفى ا، م: "بازر".
وفى عون المعبود ١/ ٤٦٠: وإذا هو بارز. قال الحافظ ابن الأثير: جاء هذا الحديث هكذا في سنن أبى داود، وبارز، براء ثم زاء، من البروز وهو الظهور، وهو تصحيف من الراوى، قال الخطابى في المعالم والأزهرى في التهذيب: وإنما هو بأزز، بباء الجر وهمزة مضمومة وزاءين معجمتين.
(١٥) في معالم السنن ١/ ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>