للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ وابنُ عَقِيلٍ: أنَّها لا تُجْزِئ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى إلَّا بِنِيَّةِ رَبِّ المَالِ؛ لأنَّ الإمَامَ إمَّا وَكِيلُه، وإمَّا وَكِيلُ الفُقَرَاءِ، أو وَكِيلُهُما مَعًا، وأىَّ ذلك كان فلا تُجْزِئ نِيَّتُه عن نِيَّةِ رَبِّ المَالِ، ولأنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ تَجِبُ لها النِّيَّةُ، فلا تُجْزِئ عَمَّنْ وَجَبَتْ عليه بِغَيْرِ نِيَّةٍ، إذا (١) كان من أهْلِ النِّيَّةِ كالصَّلاةِ، وإنَّما أُخِذَتْ منه مع عَدَمِ الإجْزَاءِ حِرَاسَةً لِلْعِلْمِ الظَّاهِرِ، كالصَّلاةِ يُجْبَرُ عليها لِيَأْتِىَ بِصُورَتِها، ولو صَلَّى بغيْرِ نِيَّةٍ لم يُجْزِئْهُ عندَ اللهِ تعالى. قال ابنُ عَقِيلٍ: ومَعْنَى قَوْلِ الفُقَهاءِ: يُجْزِئ عنه. أى فى الظَّاهِرِ، بمَعْنَى أنَّه لا يُطَالَبُ بأدائِها ثَانِيًا، كما قُلْنَا فى الإسْلامِ، فإنَّ المُرْتَدَّ يُطَالَبُ بالشَّهَادَةِ، فمتى أتَى بها حُكِمَ بإسْلامِهِ ظَاهِرًا، ومتى لم يَكُنْ مُعْتَقِدًا صِحَّةَ ما يَلْفِظُ به، لم يَصِحَّ إسْلامُه بَاطِنًا. قال (٢): وقولُ أصْحَابِنا: لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ. معناه: لا يَسْقُطُ عنه القَتْلُ الذى تَوَجَّهَ عليه؛ لِعَدَمِ عِلْمِنا بحَقِيقةِ (٣) تَوْبَتِه؛ لأنَّ أكْثَرَ ما فيه أنَّه أَظْهَرَ إيمَانَهُ، وقد كَانَ طُولَ (٤) دَهْره يُظْهِرُ إيمَانَه، ويُسِرُّ (٥) كُفْرَهُ، فأمَّا عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فإنَّها تَصِحُّ إذا عُلِمَ منه حَقِيقَةُ الإنابَةِ، وصِدْقُ التَّوْبَةِ، واعْتِقَادُ الحَقِّ. ومن نَصَرَ قَوْلَ الخِرَقِىِّ، قال: إنَّ لِلإمَامِ وِلَايَةً على المُمْتَنِعِ، فقامَتْ نِيَّتُهُ مَقامَ نِيَّتِهِ، كوَلِىِّ اليَتِيمِ والمَجْنُونِ، وفَارَقَ الصلَاةَ؛ فإنَّ النِّيَابَةَ فيها لا تَصِحُّ، فلا بُدَّ مِن نِيَّةِ فَاعِلِها. وقوله: لا يَخْلُو من كَوْنِه وَكِيلًا له، أو وَكِيلًا لِلْفُقَرَاءِ، أوْ لهما. قُلْنا: بل هو وَالٍ على المَالِكِ، وأمَّا إلْحاقُ الزكاةِ بالقِسْمَةِ فغَيْرُ صَحِيحٍ، فإن القِسْمَةَ ليستْ عِبادَةً، ولا يُعْتَبَرُ لها نِيَّةٌ، بخِلَافِ الزَّكَاةِ.


(١) فى أ، م: "إن".
(٢) سقط من: الأصل، أ.
(٣) فى الأصل، أ: "لحقيقة".
(٤) سقط من: م.
(٥) فى ب، م: "ويستر".

<<  <  ج: ص:  >  >>