للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَكَّنَ بِأخْذِ الزكاةِ من الإنفَاقِ، فَيَلْزَمُه، وإن لم يَكُنْ عَاجِزًا، ولكنَّه أيْسَرَ بها، لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ المُوسِرِينَ، فَتَنْتَفِعُ بها في الحَالَيْنِ، فلم يَجُزْ لها ذلك، كما لو دَفَعَتْها في أُجْرَةِ دَارٍ، أو نَفَقَةِ رَقِيقِها أو بَهَائِمِها. فإن قِيلَ: فيُلْزَمُ على هذا الغَرِيمُ؛ فإنه يَجُوزُ له دَفْعُ زَكَاتِه إلى غَرِيمِه، ويُلْزَمُ الآخِذُ بذلك وَفَاءَ دَيْنِه؛ فيَنْتَفِعُ الدَّافِعُ بِدَفْعِها إليه. قُلْنَا: الفَرْقُ بينهما من وَجْهَيْنِ: أحدُهما، أنَّ حَقَّ الزَّوْجَةِ في النَّفَقَةِ آكَدُ من حَقِّ الغَرِيمِ، بِدَلِيلِ أنَّ نَفَقَةَ المَرْأَةِ مُقَدَّمَةٌ في مَالِ المُفْلِسِ على أدَاءِ دَيْنِه، وأنها تَمْلِكُ أَخْذَها من مَالِه بِغيرِ عِلْمِه، إذا امْتَنَعَ من أدَائِها. والثاني، أنَّ المَرأةَ تَنْبَسِطُ في مَالِ زَوْجِها بِحُكْمِ العَادَةِ، ويُعَدُّ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما مَالًا للآخَر، ولهذا قال ابْنُ مسعودٍ، في عَبْدٍ سَرَقَ مِرْآةَ امْرَأَةِ سَيِّدِه: عَبْدُكم سَرَقَ مَالَكم. ولم يَقْطَعْهُ. وَرُوِيَ ذلك عن عمرَ. وكذلك لا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما لِصَاحِبِه، بِخِلافِ الغَرِيمِ مع غَرِيمِه. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَجُوزُ لها دَفْعُ زَكَاتِها إلى زَوْجِها. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ، وابْنِ المُنْذِرِ، وطَائِفَةٍ من أهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّ زينبَ امْرَأةَ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ قالت: يا نَبِيَّ اللهِ، إنَّكَ أمَرْتَ اليَوْمَ بالصَّدَقَةِ، وكان عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فأرَدْتُ أن أتصَدَّقَ به، فزَعَمَ ابْنُ مسعودٍ أنَّه هو وَوَلَدَه أحَقُّ مَن تَصَدَّقْتُ عليهم. فقال النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١). وروى أن امْرَأةَ عبدِ اللهِ سَألَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَنِي أخٍ لها أَيْتَامٍ في حِجْرِهَا، أفَتُعْطِيهِم زَكَاتَها؟ قال: "نَعَمْ" (٢). ورَوَى الجُوزَجَانِيُّ، بإسْنَادِهِ عن عَطَاءٍ، قال: أتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ عَلَيَّ نَذْرًا أنْ أتَصَدَّقَ بعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وإنَّ لي زَوْجًا فَقِيرًا، أفيُجْزِئُ عَنِّي أن أُعْطِيَهُ؟ قال: "نَعَمْ، لَكِ كِفْلَانِ (٣) من


(١) في: باب الزكاة على الأقارب، من كتاب الزكاة. صحيح البخاري ٢/ ١٤٩.
(٢) أخرجه ابن ماجه، في: باب الصدقة على ذي القرابة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه ١/ ٥٨٧.
(٣) الكفل: النصيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>