للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبَها أيَّ شىءٍ عليك من الدَّيْنِ، ولكِنَّه يُزَكِّيها، والمالُ ليس كذلك، وهذا ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ هاهُنا؛ لأنَّ كلامَه عَامٌّ في كلِّ مَاشِيَةٍ، وذلك لأنَّ وُجُوبَ الزكاةِ في الأمْوَالِ الظَّاهِرَةِ آكَدُ؛ لِظُهُورِها، وتَعَلُّقِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ بها، لِرُؤْيَتِهم. إيَّاهَا، ولأنَّ الحاجَةَ إلى حِفْظِهَا أشَدُّ، ولأنَّ السَّاعِيَ يَتَوَلَّى أخْذَ الزكاةِ منها ولا يَسْأَلُ عن دَيْنِ صاحِبِها. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ؛ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها. ويَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الزكاةِ في الأمْوَالِ كُلِّها مِن الظَّاهِرَةِ والباطِنَةِ. قال ابْنُ أبي موسى: الصَّحِيحُ من مَذْهَبِه أنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكاةِ على كلِّ حَالٍ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ. وَرُوِيَ ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، ومَكْحُولٍ، والثَّوْرِيِّ. وحَكَى ذلك ابْنُ المُنْذِرِ عنهم في الزَّرْعِ إذا اسْتَدَانَ عليه صَاحِبُه؛ لأنَّه أحَدُ نَوْعَي الزكاةِ، فيَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَها، كالنَّوْعِ الآخَرِ، ولأنَّ المَدِينَ مُحْتَاجٌ، والصَّدَقَةُ إنما تَجِبُ على الأغْنِياءِ، بقَوْلِه (٤) عليه السَّلَامُ: "أُمِرْتُ أن آخُذَ الصَّدَقَةَ من أَغْنِيَائِهِم، فأَرُدَّهَا في فُقَرَائِهِم" (٥). وقَوْلِه عليه السَّلَامُ: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى" (٦). ورَوَى أبو عُبَيْدٍ، في كتابِ "الأمْوَالِ" (٧)، عن السَّائِبِ بن يَزِيدَ، قال: سَمِعْتُ عثمانَ بنَ عَفَّانَ


(٤) في م: "لقوله".
(٥) تقدم في ١/ ٢٧٥. وانظر تخرج حديث معاذ المتقدم في صفحة ٥.
(٦) أخرجه البخاري تعليقا، في: باب تأويل قول اللَّه تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، من كتاب الوصايا. صحيح البخاري ٤/ ٦. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٣٠. وأخرج نحوه؛ البخاري، في: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة، وفي: باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، من كتاب النفقات. صحيح البخاري ٢/ ١٣٩، ٧/ ٨١. ومسلم، في: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى. . . إلخ، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٧١٧. وأبو داود، في: باب الرجل يخرج من ماله، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٨٩، ٣٩٠. والنسائي، في: باب الصدقة عن ظهر غنى، وباب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٤٦، ٥٢. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٤٥، ٢٧٨، ٣٩٤، ٤٠٢، ٤٣٤، ٤٣٥، ٤٧٦، ٤٨٠، ٥٠١، ٥٢٤، ٥٢٧.
(٧) الأموال ٤٣٧. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب الزكاة في الدين، من كتاب الزكاة. الموطأ ١/ ٢٥٣. والبيهقي، في: باب الدين مع الصدقة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى ١٨٤. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يكون عليه الدين من قال لا يزكيه، من كتاب الزكاة. المصنف ٣/ ١٩٤. وعبد الرزاق، في: باب لا زكاة إلا في فصل، من كتاب الزكاة. المصنف ٤/ ٩٢، ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>