للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المالِكِ، وعَرَّفَهُ قَدْرَ الزكاةِ، خَيَّرَهُ بينَ أن يَضْمَنَ قَدْرَ الزكاةِ، ويَتَصَرَّفَ فيها بما شاءَ من أكْلٍ وغَيْرِه، وبينَ حِفْظِها إلى وَقْتِ الجَذَاذِ والجَفَافِ، فإن اخْتَارَ حِفْظَها ثم أتْلَفَها أو تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِه، فعليه ضَمَانُ نَصِيبِ الفُقَرَاءِ بِالخَرْصِ، وإنْ أتْلَفَها أجْنَبِيٌّ، فعليه قِيمَةُ ما أتْلَفَ. والفَرْقُ بينهما أنَّ رَبَّ المالِ وَجَبَ عليه تَجْفِيفُ هذا الرُّطَبِ، بخِلافِ الأجْنَبِيِّ، ولهذا قُلْنَا في مَن أتْلَفَ أُضْحِيتَهُ المُعَيَّنَةَ (٤٣): عليه أُضْحِيَةٌ مَكَانَها. وإن أتْلَفَها أجْنَبِيٌّ فعليه قِيمَتُها. وإن تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ من السَّماءِ، سَقَطَ عنهم الخَرْصُ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّها تَلِفَتْ قبل اسْتِقْرَارِ زكاتِها، وإن ادَّعَى تَلَفَها بِغيرِ تَفْرِيطِه، فالقَوْلُ قَوْلُه بغيرِ يَمِينٍ، [على ما] (٤٤) تَقَدَّمَ، وإن حَفِظَها إلى وَقْتِ الإخْراجِ، فعليه زكاةُ المَوْجُودِ لا غيرُ، سَواءٌ اخْتَارَ الضَّمانَ، أو حَفِظَها على سَبِيلِ الأمانَةِ، وسَواءٌ كانت أكْثَرَ ممَّا خَرَصَهُ الخارِصُ أو أقَلَّ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: يَلْزَمُهُ ما قال الخَارِصُ، زَادَ أو نَقَصَ، إذا كانَتِ الزكاةُ مُتَقَارِبَةً؛ لأنَّ الحُكْمَ انْتَقَلَ إلى ما قال السَّاعِي، بِدَلِيلِ وُجُوبِ ما قال عندَ تَلَفِ المالِ. ولَنا، أنَّ الزكاةَ أمَانَةٌ، فلا تَصِيرُ مَضْمُونَةٌ بالشَّرْطِ كالوَدِيعَةِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الحُكْمَ انْتَقَلَ إلى ما قالَ (٤٥) السَّاعِي، وإنَّما يُعْمَلُ بِقَوْلِه إذا تَصَرَّفَ في الثَّمَرَةِ، ولم يَعْلَمْ قَدْرَها؛ لأنَّ الظَّاهِرَ إصابَتُه. قال أحمدُ: إذا خَرَصَ على الرَّجُلِ، فإذا فيه فَضْلٌ كَثِيرٌ، مثل الضَّعْفِ، تَصَدَّقَ بالفَضْلِ؛ لأنَّه يَخْرُصُ بالسَّوِيَّةِ. وهذه الرِّوَايَةُ تَدُلُّ على مِثْلِ قَوْلِ مالِكٍ. وقال: إذا تَجَافَى السُّلْطَانُ عن شيْءٍ من العُشْرِ، يُخْرِجُه فيُؤَدِّيه. وقال: إذا حَطَّ من الخَرْصِ عن الأرْضِ، يَتَصَدَّقُ بِقَدْرِ ما نَقَصُوهُ من الخَرْصِ. وإن أخَذَ منهم أكْثَرَ من الوَاجِبِ عليهم، فقال أحمدُ: يُحْتَسَبُ لهم من الزكاةِ لِسَنَةٍ أُخْرَى. ونَقَلَ عنه أبو دَاوُدَ: لا يُحْتَسَبُ بالزِّيادَةِ، لأنَّ


(٤٣) في أ، م: "المتعينة".
(٤٤) في أ، م: "كما".
(٤٥) في أ، ب، م: "قاله".

<<  <  ج: ص:  >  >>