للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِلْمِه بِفِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فَدَلَّ على أن فِعْلَهُ ذلك لم يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، كيف والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قد وَقَفَ نِصْفَ خَيْبَرَ! ولو كانت لِلْغَانِمِينَ لم يَكُنْ له وَقْفُها. قال أبو عُبَيْدٍ (٣٣): تَوَاتَرَتِ الآثارُ في افْتِتَاحِ الأَرَضِينَ عَنْوَةً بِهذَيْنِ الحُكْمَيْنِ؛ حُكْمِ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في خَيْبَرَ حين قَسَمَهَا، وبه أشَارَ بِلَالٌ وأصْحَابُه على عمرَ في أرْضِ الشَّامِ، وأشَارَ به الزُّبَيْرُ في أرْضِ مِصْرَ، وحُكْمِ عمرَ في أرْضِ السَّوَادِ وغَيْرِه حِينَ وَقَفَهُ، وبه أشَارَ عليٌّ، ومُعَاذٌ، على عمرَ (٣٤)، وليس فِعْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- رَادًّا لِفِعْلِ عمرَ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما اتَّبَعَ آيةً مُحْكَمَةً، قال اللهُ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}. وقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} (٣٥). الآية. فكان كُلُّ وَاحِدٍ من الأمْرَيْنِ جَائِزًا، والنَّظَرُ في ذلك إلى الإِمامِ، فما رَأى من ذلك فَعَلَهُ. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وأبى عُبَيْدٍ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّ الاخْتِيَارَ المُفَوَّضَ إلى الإِمامِ اخْتِيَارُ (٣٦) مَصْلَحَةٍ، لا اخْتِيارُ تَشَهٍّ، فيَلْزَمُه فِعْلُ ما يَرَى المَصْلَحَةَ فيه، ولا يجوزُ له العُدُولُ عنه، كالخِيَرَةِ بينَ القَتْلِ والاسْتِرْقَاقِ، والفِدَاءِ والمَنِّ في الأسْرَى، ولا يَحْتَاجُ إلى النُّطْقِ بِالوَقْفِ، بَلْ تَرْكُه لها (٣٧) من غَيْرِ قِسْمَةٍ هو وَقْفُه لها، كما أنَّ قَسْمَها بين الغَانِمِينَ لا يَحْتاجُ معه إلى لَفْظٍ، لأنَّ (٣٨) عمرَ وغيرَه لم يُنْقَلْ عنهم في وَقْفِ الأرْضِ لَفْظُ الوَقْفِ، ولأنَّ مَعْنَى وَقْفِها هاهُنا، أنَّها بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ، يُؤْخَذُ خَرَاجُها، ويُصْرَفُ في مَصَالِحِهم، ولا يُخَصُّ أَحَدٌ بِمِلْكِ شىءٍ منها، وهذا حَاصِلٌ بِتَرْكِها.


= خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخارى ٣/ ١٣٩، ٥/ ١٧٦. وأبو داود، في: باب ما جاء في حكم أرض خيبر، من كتاب الخراج والفىء والإمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٤٤.
(٣٣) في: الأموال ٦٠.
(٣٤) في أ، م زيادة: "في أرض الشام". وليس في الأموال.
(٣٥) سورة الحشر ٧.
(٣٦) في الأصل، ب: "تخيير".
(٣٧) في أ، م: "له".
(٣٨) في أ، ب، م: "وإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>