للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَسْقُطُ الزكاةُ منه. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مَالِكٌ فى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عنه: لا يَسْقُطُ حُكْمُ التِّجارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كما لو نَوَى بالسَّائِمَةِ العَلْفَ. ولَنا، أنَّ القُنْيَةَ الأصْلُ، ويَكْفِى فى الرَّدِّ إلى الأصْلِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كما لو نَوَى بالحَلْىِ التِّجارَةَ، أو نَوَى المُسافِرُ الإِقامَةَ، ولأنَّ نِيَّةَ التِّجارَةِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزكاةِ فى العُرُوضِ، فإذا نَوَى القُنْيَةَ زالَتْ نِيَّةُ التِّجارَةِ، ففَاتَ شَرْطُ الوُجُوبِ، وفارَقَ السَّائِمَةَ إذا نَوَى عَلْفَها، لأنَّ الشَّرْطَ فيها الإِسامَةُ دُونَ نِيَّتِها، فلا يَنْتَفِى الوُجُوبُ إلَّا بِانْتِفاءِ السَّوْمِ. وإذا صارَ العَرْضُ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِها، فنَوَى التِّجارَةَ، لم يَصِرْ لِلتِّجارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، على ما أسْلَفْناهُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، والثَّوْرِىُّ. وذَهَبَ [ابنُ عَقِيلٍ، وأبو بكرٍ] (١)، إلى أنَّه يَصِيرُ لِلتِّجارَةِ بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وحَكَوْهُ (٢) رِوَايَةً عن أحمدَ، لِقَوْلِه: فى مَن أخْرَجَتْ أرْضُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فمَكَثَتْ عندَه سِنِينَ لا يُرِيدُ بها التِّجارَةَ، فليس عليه زَكَاةٌ، وإن كان يُرِيدُ التِّجارَةَ فأعْجَبُ إلَىَّ أن يُزَكِّيَهُ. قال بَعْضُ أصْحَابِنا: هذا على أصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ؛ لأنَّ نِيَّةَ القُنْيَةِ بِمُجَرَّدِها كافِيَةٌ، فكذلك نِيَّةُ التِّجارَةِ، بل أوْلَى؛ لأنَّ الإِيجابَ يُغَلَّبُ على الإِسْقاطِ احْتِياطًا، ولأنَّه أحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ، فاعْتُبِرَ كالتَّقْوِيمِ، ولأنَّ سَمُرَةَ قال: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ ممَّا نُعِدُّهِ لِلْبَيْعِ (٣). وهذا داخِلٌ فى عُمُومِه، ولأنَّه نَوَى به التِّجارَةَ، فوَجَبَتْ فيه الزكاةُ، كما لو نَوَى حالَ البَيْعِ. ولَنا، أنَّ كُلَّ ما لا يَثْبُتُ له الحُكْمُ بِدُخُولِه فى مِلْكِه، لا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كما لو نَوَى بالمَعْلُوفَةِ السَّوْمَ، ولأنَّ القُنْيَةَ الأصْلُ، والتِّجَارَة فَرْعٌ عليها، فلا يَنْصَرِفُ إلى الفَرْعِ بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كالمُقِيمِ يَنْوِى السَّفَرَ، وبالعَكْسِ من ذلك ما لو نَوَى القُنْيَةَ، فإنَّه يَرُدّها إلى الأصْلِ، فانْصَرَفَ إليه بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كما لو نَوَى


(١) فى الأصل، ب: "أبو بكر وابن عقيل".
(٢) فى الأصل: "وحكاه".
(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>