للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخْرَاجِ النَّفَقَةِ، فيُزَكِّى ما بَقِىَ، ولا يكونُ على أحَدٍ، دَيْنُه أكْثَرُ من مالِهِ، صَدَقَةٌ فى إبِلٍ، أو بَقَرٍ، أو غَنَمٍ، أو زَرْعٍ، ولا زَكَاةٌ. وهذا قولُ عَطاءٍ، والحسنِ، وسليمانَ، ومَيْمُونِ بن مِهْرَانَ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِيِّ، واللَّيْثِ، وإسحاقَ؛ لِعُمُومِ ما ذَكَرْنَا. وَرُوِىَ، أَنَّه لا يَمْنَعُ الزكاةَ فيها. وهو قولُ مالِكٍ، والأوْزاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ. وَرُوِىَ عن أحمدَ أَنَّه قال: قد اخْتَلَفَ ابنُ عمرَ وابنُ عَبَّاسٍ، فقال ابنُ عمرَ: يُخْرِجُ ما اسْتَدَانَ أو أنْفَقَ على ثَمَرَتِه وأهْلِه، ويُزَكِّى ما بَقِىَ. وقال الآخَرُ: يُخْرِجُ ما اسْتَدَانَ (١٠) على ثَمَرَتِه، ويُزَكِّى ما بَقِىَ (١١). وإليه أَذْهَبُ أن لا يُزَكِّىَ ما أَنْفَقَ على ثَمَرَتِه خاصَّةً، ويُزَكِّى ما بَقِىَ؛ لأنَّ المُصَدِّقَ إذا جَاءَ فوَجَدَ إِبِلًا، أو بَقَرًا، أو غَنَمًا، لم يَسْأَلْ أيَّ شىءٍ على صَاحِبِها من الدَّيْنِ، وليس المالُ هكذا. فعلَى هذه الرِّوَايَةِ، لا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزكاةَ فى الأمْوالِ الظاهِرَةِ، إلَّا فى الزُّرُوْعِ (١٢) والثِّمَارِ، فيما اسْتَدَانَهُ للإِنْفاقِ عليها خاصَّةً. وهذا ظاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه قال فى الخَراجِ: "يُخْرِجُه، ثمَّ يُزَكِّى ما بَقِىَ". جَعَلَهُ كالدَّيْنِ على الزَّرْعِ. وقال فى الماشِيَةِ المَرْهُوَنةِ: "يُؤدِّى منها إذا لم يَكُنْ له مالٌ يُؤَدِّى عنها". فأوْجَبَ الزَّكَاةَ فيها مع الدَّيْنِ. وقال أبو حنيفةَ: الدَّيْنُ الذى تَتَوَجَّهُ فيه المُطَالَبَةُ يَمْنَعُ فى سَائِرِ الأَموَالِ، إلَّا الزُّرُوعَ (١٣) والثِّمَارَ. بِنَاءً منه على أنَّ الوَاجِبَ فيها ليس بِصَدَقَةٍ، والفَرْقُ بين الأَمْوَالِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ أَنَّ تَعَلُّقَ الزكاةِ بالظَّاهِرَةِ آكَدُ، لِظُهُورِهَا، وتَعَلُّقِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ بها، ولهذا يُشْرَعُ إرْسالُ ساعٍ (١٣) يَأْخُذُ صَدَقَتَها من أَرْبَابِها، وكان النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْعَثُ السُّعَاةَ، فيأْخُذُونَ الصَّدَقَةَ مِن أَرْبَابِها، وكذلك الخُلَفَاءُ بعدَه، وعلى مَنْعِهَا قَاتَلَهُمْ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِىَ اللَّه عنه، ولم يَأْتِ عنهم (١٤) أنَّهم


(١٠) فى سنن البيهقى: "أنفق".
(١١) أخرجه البيهقى، فى: باب الدين مع الصدقة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى ٤/ ١٤٨.
(١٢) فى م: "الزرع".
(١٣) فى م: "من".
(١٤) فى ب، م: "عنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>