مُسْلِمُونَ، فيَجِبُ عليهم صَدَقَةُ الفِطْرِ كغَيْرِهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُجْزِئُ أهْلَ البادِيَةِ إخْرَاجُ الأَقِطِ إذا كان قُوتَهُم. وكذلك من لم يَجِدْ مِن الأصْنافِ المَنْصُوصِ عليها سِوَاهُ. فأمَّا مَن وَجَدَ سِوَاهُ فهل يُجْزِئُ؟ على رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُما، يُجْزِئُه أيضا؛ لِحَدِيثِ أبى سَعِيدٍ الذى ذَكَرْنَاهُ (١)، وفى بعضِ أَلْفَاظِهِ قال: فَرَضَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا من طَعَامٍ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ، أو صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من أقِطٍ. أخْرَجَهُ النَّسَائِىُّ. والثَّانية، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه جِنْسٌ لا تَجِبُ الزكاةُ فيه، فلا يُجْزئُ إخْرَاجُه لمن يَقْدِرُ على غيرِه من الأجْناسِ المَنْصُوصِ عليها، كاللَّحْمِ. ويُحْمَلُ الحَدِيثُ على مَن هو قُوتٌ له، أو لم يَقْدِرْ على غيرِه، فإن قَدَرَ على غيرِه مع كَوْنِه قُوتًا له، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ جَوَازُ إخْراجِه. وإن قَدَرَ على غيرِه سَوَاءٌ كان من أهْلِ البادِيَةِ أو لم يَكُنْ؛ لأنَّ الحَدِيثَ لم يُفَرِّقْ. وقولُ أبِى سَعِيدٍ: كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا من أقِطٍ، وهم من أهْلِ الأمْصارِ، وإنَّما خَصَّ أهْلَ البَادِيَةِ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ الغَالِبَ أنَّه لا يَقْتَاتُه غَيْرُهم. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يُجْزِئُ إخْراجُ الأَقِطِ، مع القُدْرَةِ على ما سِوَاه فى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وظَاهِرُ الحَدِيثِ يَدُلُّ على خِلَافِه. وذَكَرَ القاضى أنَّه إذا عَدِمَ الأقِطَ، وقُلْنا له إخْرَاجُه، جَازَ إخْراجُ اللَّبَنِ؛ لأنَّه أكْمَلُ من الأقِطِ، لأنَّه يَجِىءُ منه الأَقِطُ وغيرُه. وحَكَاهُ أبو ثَوْرٍ، عن الشَّافِعِىِّ. وقال الحسنُ: إنْ لم يَكُنْ بُرٌّ ولا شَعِيرٌ أخْرَجَ صَاعًا من لَبَنٍ. وظَاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ يَقْتَضِى أنَّه لا يُجْزِئُ اللَّبَنُ بحالٍ؛ لِقَوْلِه:"مِنْ كلِّ حَبَّةٍ أو ثَمَرَةٍ تُقْتَاتُ". وقد حَمَلْنا ذلك على حالَةِ العَدَمِ. ولا يَصِحُّ ما ذَكَرُوهُ؛ لأنَّه لو كان أكْمَلَ مِن الأَقِطِ، لجَازَ إخْرَاجُه مع وُجُودِه، ولأنَّ الأقِطَ أَكْمَلُ من اللَّبَنِ من وَجْهٍ؛ لأنَّه بَلَغَ حالةَ الإدِّخارِ وهو جَامِدٌ، بخِلَافِ اللَّبَنِ، لكنْ يكونُ حُكْمُ اللَّبَنِ حُكْمَ اللَّحْمِ، يُجْزِئُ إخْرَاجُه عندَ عَدَمِ الأَصْنافِ المَنْصُوصِ عليها على قولِ