للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى". فقد نَبَّه النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المَعْنَى الذى كَرِهَ لأجْلِه (٣٥) الصَّدَقَةَ بَجَمِيعِ مَالِه، وهو أن يَسْتَكِفَّ الناسَ، أى يَتَعَرَّض لهم لِلصَّدَقَةِ، أي يَأْخُذَها ببَطْنِ كَفِّه يقال: تَكَفَّفَ، واسْتَكَفَّ. إذا فَعَلَ ذلك (٣٦). ورَوَى النَّسَائِيُّ (٣٧)، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعْطَى رَجُلًا ثَوْبَيْنِ من الصَّدَقَةِ، ثم حَثَّ على الصَّدَقَةِ، فطَرَحَ الرَّجُلُ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَمْ تَرَوْا إلَى هذَا، دَخَلَ بهَيْئَةٍ بَذَّةٍ (٣٨) فأعْطَيْتُه ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: تَصَدَّقُوا. فَطَرَحَ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، خُذْ ثَوْبَكَ". وانْتَهَرَهُ. ولأنَّ الإِنسانَ إذا أخْرَجَ جَمِيعَ مالِه، لا يَأْمَنُ فِتْنَةَ الفَقْرِ، وشِدَّةَ نِزَاعِ النَّفْسِ إلى ما خَرَجَ منه، فيَنْدَمُ، فيَذْهَبُ مالُه ويَبْطُلُ أجْرُه، ويَصِيرُ كَلًّا على الناسِ. ويُكْرَهُ لمن لا صَبْرَ له على الإِضَاقَةِ أن يَنْقُصَ نَفْسَهُ من الكِفَايَةِ التَّامَّةِ، واللهُ أعلمُ.


(٣٥) في م: "من أجله".
(٣٦) هذا نقل عن الخطابي، في معالم السنن ٢/ ٧٧.
(٣٧) في: باب حث الإِمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته، من كتاب الجمعة، وفي: باب إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه، من كتاب الزكاة. المجتبى ٣/ ٨٧، ٥/ ٤٧.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يخرج من ماله، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٨٩.
(٣٨) أى تدل على الفقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>