للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وقولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَعْرَابِيِّ لمَّا قال له: آللهُ أمَرَكَ أن تَصُومَ هذا الشَّهْرَ من السَّنَةِ؟ قال: "نَعَمْ" (١٢). وقَوْلُه للآخَرِ لمَّا قال له: ماذا فَرَضَ اللهُ عَلَىَّ من الصَّوْمِ؟ قال: "شَهْرَ رَمَضَانَ" (١٣). وأجْمَعَ المُسْلِمُونَ على وُجُوبِ صَوْمِ شَهْر رمضانَ، وقد ثَبَتَ أنَّ هذا اليَوْمَ من شَهْرِ رمضانَ، بشهَادَةِ الثِّقَاتِ، فوَجَبَ صَوْمُه على جَمِيعِ المُسْلِمِينَ، ولأنَّ شَهْرَ رمضانَ ما بين الهِلَالَيْنِ، وقد ثَبَتَ أنَّ هذا اليَوْمَ منه في سائِرِ الأحْكامِ، من حُلُولِ الدَّيْنِ، ووُقُوعِ الطَّلَاقِ والعَتَاقِ، ووُجُوبِ النُّذُورِ، وغيرِ ذلك من الأحْكامِ، فيَجِبُ صِيامُه بالنَّصِّ والإِجْماعِ، ولأنَّ البَيِّنَةَ العَادِلَةَ شَهِدَتْ برُؤْيَةِ الهِلالِ، فيَجِبُ الصَّوْمُ، كما لو تَقَارَبَتِ البُلْدَانُ. فأمَّا حَدِيثُ كُرَيْبٍ فإنَّما دَلَّ على أنَّهم لا يُفْطِرُونَ بقولِ كُرَيْبٍ وَحْدَه، ونحنُ نقولُ به، وإنَّما مَحَلُّ الخِلافِ وُجُوبُ قَضاءِ اليَوْمِ الأوَّلِ، وليس هو في الحَدِيثِ. فإن قِيلَ: فقد قُلْتُم إنَّ النَّاسَ إذا صامُوا بِشهَادَةِ واحِدٍ ثلاثِينَ يَوْمًا، ولم يَرَوُا الهِلالَ، أفْطَرُوا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ. قُلْنَا: الجَوابُ عن هذا من وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، أنَّنا إنَّما قُلْنَا يُفْطِرُونَ إذا صامُوا بشهَادَتِه، فيكون فِطْرُهُم مَبْنِيًّا على صَوْمِهِم بشهادَتِه، وهاهُنا لم يَصُومُوا بقَوْلِه، فلم يُوجَدْ ما يجوزُ بناءُ الفِطْرِ عليه. الثانى، أنَّ الحَدِيثَ دَلَّ على صِحَّةِ الوَجْهِ الآخَرِ.


(١٢) أخرجه البخاري، في: باب ما جاء في العلم، من كتاب العلم. صحيح البخاري ١/ ٢٤، ٢٥. ومسلم، في. باب السؤال عن أركان الإسلام، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم ١/ ٤١، ٤٢. والترمذي، في: باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى ٣/ ٩٨، ٩٩. والنسائى، في: باب وجوب الصيام، من كتاب الصيام. المجتبى ٤/ ٩٨ - ١٠٠. والدارمى، في: باب فرض الوضوء والصلاة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ١٦٤.
(١٣) تقدم في ٢/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>