للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإدْرَاكِهِ مُعْظَمَها، ولو أدْرَكَه بعد الرَّفْعِ، لم يَكُنْ مُدْرِكًا لها، ولو أدْرَكَ مع الإِمامِ من الجُمُعَةِ رَكْعَةً، كان مُدْرِكًا لها؛ لأنَّها تَزِيدُ بالتَّشَهُّدِ، ولو أدْرَكَ أقَلَّ من رَكْعَةٍ، لم يَكُنْ مُدْرِكًا لها. ولَنا، أنَّه نَوَى في جُزْءٍ من النَّهارِ، فأشْبَهَ ما لو نَوَى في أوَّلِه، ولأنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الفَرْضِ، فكذا جَمِيعُ النَّهارِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ النَّفْلِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يُحْكَمُ له بالصَّوْمِ الشَّرْعِىِّ المُثَابِ عليه من وَقْتِ النِّيَّةِ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ، فإنَّه قال: مَن نَوَى في التَّطَوُّعِ من النَّهَارِ، كُتِبَ له بَقِيَّةُ يَوْمِه، وإذا أجْمَعَ من اللَّيْلِ كان له يَوْمُه. وهذا قولُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال أبو الخَطَّابِ، في "الهِدَايَةِ": يُحْكَمُ له بذلك من أَوَّلِ النَّهَارِ. وهو قولُ بَعْضِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ [فى اليَوْمِ] (١٢)، بدَلِيلِ ما لو أكَلَ في بَعْضِه، لم يَجُزْ له صِيَامُ بَاقِيهِ، فإذا وُجِدَ في بَعْضِ اليَوْمِ دَلَّ على أنَّه صَائِمٌ من أَوَّلِه، ولا يَمْتَنِعُ (١٣) الحُكْمُ بالصَّوْمِ من غير نِيَّةٍ حَقِيقَةً (١٤)، كما لو نَسِىَ الصَّوْمَ بعدَ نِيَّتِه، أو غَفَلَ عنه، ولأنَّه لو أدْرَكَ بعضَ الرَّكْعَةِ أو بعضَ الجماعَةِ كان مُدْرِكًا لِجَمِيعِها. ولَنا، أنَّ ما قَبْلَ النِّيَّةِ لم يَنْوِ صِيامَه، فلا يكونُ صَائِمًا فيه؛ لِقَوْلِه عليه السَّلَامُ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما [لِكُلِّ امْرِئٍ] (١٥) ما نَوَى" (١٦). ولأنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فلا تُوجَدُ بغير نِيَّةٍ، كسائِرِ العِبادَاتِ المَحْضَةِ. ودَعْوَى أن الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ، دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وإنَّما يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ البَعْضِ أنْ لا تُوجَدَ المُفْطِرَاتُ في شىءٍ من اليَوْمِ، ولهذا قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في حَدِيثِ عَاشُورَاءَ: "فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ" (١٧). وأمَّا إذا نَسِىَ النِّيَّةَ بعدَ وُجُودِهَا، فإنَّه يكونُ مُسْتَصْحِبًا


(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) في أ، ب، م: "يمنع".
(١٤) في أ، ب، م: "حقيقية".
(١٥) في الأصل، أ، ب: "لامرئ".
(١٦) تقدم تخريجه في ١/ ١٥٦.
(١٧) تقدم تخريجه في صفحة ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>