للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَجْنُونُ، وأسْلَمَ الكافِرُ، وصَحَّ المَرِيضُ المُفْطِرُ، ففِيهم رِوايَتَانِ؛ إحْدَاهما، يَلْزَمُهم الإمْساكُ فى بَقِيَّةِ اليومِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، والحَسَنِ بن صالِحٍ، والعَنْبَرِىِّ؛ لأنَّه مَعْنًى لو وُجِدَ قبلَ الفَجْرِ أوْجَبَ الصِّيامَ، فإذا طَرَأَ بعد الفَجْرِ أوْجَبَ الإمْساكَ، كقِيامِ البَيِّنَةِ بِالرُّؤْيَةِ. والثانية، لا يَلْزَمُهم الإمْساكُ. وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. وَرُوِىَ ذلك عن جابِرِ بن زيدٍ، وَرُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ أنَّه قال: مَنْ أكَلَ أوَّلَ النَّهارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ. ولأنَّه أُبِيحَ له فِطْرُ أوَّلِ النَّهارِ ظَاهِرًا وباطِنًا، فإذا أفطَرَ كان له أن يَسْتَدِيمَهُ إلى آخِرِ النَّهارِ، كما لو دَامَ العُذْرُ. فإذا جامَعَ أحَدُ هؤلاءِ، بعد زَوَالِ عُذْرِهِ، انْبَنَى على الرِّوَايَتَيْنِ فى وُجُوبِ الإمْساكِ؛ فإنْ قُلْنا: يَلْزَمُه الإمْساكُ. فَحُكْمُه حُكْمُ مَن قامَتِ البَيِّنةُ بالرُّؤْيَةِ فى حَقِّه إذا جامَعَ. وإن قُلْنا: لا يَلْزَمُه الإمْساكُ. فلا شىءَ عليه. فإنْ كان أحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِن أحَدِ هؤلاءِ، والآخَرُ لا عُذْرَ له، فلِكُلِّ واحِدٍ حُكْمُ نَفْسِه، على مَا مَضَى. وإن كانا جَمِيعًا مَعْذُورَيْنِ فحُكْمُهما ما ذَكَرْنَاهُ، سواءٌ اتَّفَقَ عُذْرُهما، مثل أن يَقْدَمَا من سَفَرٍ، أو يَصِحَّا من مَرَضٍ، أو اخْتَلَفَ، مثل أنْ يَقْدَمَ الزَّوْجُ مِن سَفَرٍ وتَطْهُرَ المَرْأةُ مِن الحَيْضِ، فيُصِيبَها. وقد رُوِىَ عن جابِرِ بن يَزِيدَ أنَّه قَدِمَ من سَفَرٍ، فوَجَدَ امْرَأتَه قد طَهُرَتْ من حَيْضٍ، فأصَابَها. فأمَّا إن نَوَى الصومَ فى سَفَرِهِ أو مَرَضِه أو صِغَرِه، ثم زَالَ عُذْرُه فى أثْناءِ النَّهارِ، لم يَجُزْ له الفِطْرُ، رِوَايَةً واحِدَةً، وعليه الكَفَّارَةُ إن وَطِئ. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ، فى المُسَافِرِ خَاصَّةً: وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، له الفِطْرُ؛ لأنَّه أُبِيحَ له الفِطْرُ فى (٤) أوَّلِ النَّهارِ ظَاهرًا وبَاطِنًا، فكانتْ له اسْتِدامَتُه، كما لو قَدِمَ مُفْطِرًا. وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ زَالَ قبل التَّرَخُّصِ، فلم يَكُنْ له ذلك، كما لو قَدِمَتْ به السَّفِينَةُ قبلَ قَصْرِ الصلاةِ، وكالمَرِيضِ يَبْرأُ، والصَّبِىِّ يَبْلُغُ. وهذا يَنْقُضُ ما ذَكَرُوهُ. ولو عَلِمَ الصَّبِىُّ


(٤) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>