للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثٌ حَسَنٌ. وعن أبى موسى، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ" (٢١). قال الأثْرَمُ: قيل لأبى عبدِ اللهِ: فَسَّرَ مُسَدِّدٌ قَوْلَ أبى موسى: "مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ". فلا يَدْخُلُها. فَضَحِكَ وقال: مَن قال هذا؟ فأَيْنَ حديثُ عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ ذلك (٢٢)، وما فيه من الأحادِيثِ؟ قال أبو الخَطَّابِ: إنَّما يُكْرَهُ إذا أدْخَلَ فيه يَوْمَىِ العِيدَيْنِ وأيَّامَ التَّشْرِيقِ، لأنَّ أحمدَ قال: إذا أَفْطَرَ يَوْمَى العِيدَيْنِ وأيَّامَ التَّشْرِيق رَجَوْتُ أنْ لا يكونَ بذلك بَأْسٌ. وَرُوِىَ نحوُ هذا عن مَالِكٍ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ جَمَاعَةً من الصَّحابَةِ كانوا يَسْرُدُون الصَّوْمَ، منهم: أبو طَلْحَةَ. قيل: إنَّه صامَ بعدَ مَوْتِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرْبَعِينَ سَنَةً. ويَقْوَى (٢٣) عندى، أنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ، وإنْ لم يَصُمْ هذه الأيَّامَ، فإنْ صامَها قد فَعَلَ مُحَرَّمًا، وإنَّما كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ لما فيه من المَشَقَّةِ، والضَّعْفِ، وشِبْهِ التَّبَتُّلِ المَنْهِىِّ عنه؛ بِدَلِيلِ أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لِعبدِ اللهِ بن عَمْرٍو: "إنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ " فقلتُ: نعم. قال: "إنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلِكَ هَجَمَتْ (٢٤) لَهُ عَيْنُكَ، ونَفِهَتْ (٢٥) له النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّه". قلتُ: فإنّى أُطِيقُ أكْثَرَ من ذلك. قال: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إذَا لَاقَى". وفى


= مسلم ٢/ ٨١٨، ٨١٩، وأبو داود، فى: باب صوم الدهر تطوعا، من كتاب الصيام. سنن أبى داود ١/ ٥٦٥. والنسائى، فى: باب النهى عن صيام الدهر، من كتاب الصيام. المجتبى ٤/ ١٧٦. والإِمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢٩٧، ٣١١.
(٢١) أخرجه البيهقى، فى: باب من لم ير بسرد الصيام بأسا، من كتاب الصيام. السنن الكبرى ٤/ ٣٠٠. والإِمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٤١٤.
(٢٢) انظر حديث عبد اللَّه بن عمرو التالى.
(٢٣) فى م: "والذى يقوى".
(٢٤) هجمت: غارت.
(٢٥) نفهت: أعيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>