للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْعَلُونَ إلَّا الأفْضَلَ. فإن قيلَ: إنَّما فُعِلَ هذا لِتَبْيِينِ الجَوَازِ، قُلْنا: قد حَصَلَ بَيَانُ الجَوَازِ بِقَوْلِه، كما في سَائِرِ المَوَاقِيتِ. ثم لو كان كذلك لَكان أصْحابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخُلَفَاؤُه يُحْرِمُونَ من بُيُوتِهم، ولَما تَوَاطَأُوا على تَرْكِ الأفْضَل، واخْتِيَارِ الأدْنَى، وهم أهْلُ التَّقْوَى والفَضْلِ، وأفْضَلُ الخَلْقِ، ولهم من الحِرْصِ على الفَضَائِلِ والدَّرَجاتِ ما لهم. وقد رَوَى أبو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، في "مُسْنَدِه"، عن أبي أيُّوبَ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَسْتَمْتِعُ أحَدُكُم بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّهُ لَا يَدْرِى مَا يَعْرِضُ لَهُ في إحْرَامِهِ" (٨). ورَوَى الحسنُ، أنَّ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ أحْرَمَ من مِصْرِه، فبَلَغ ذلك عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، فغَضِبَ، وقال: يَتَسَامَعُ الناسُ أنَّ رَجُلًا من أصْحابِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحْرَمَ من مِصْرِهِ. وقال: إن عبدَ اللهِ بنَ عَامِرٍ أحْرَمَ من خُرَاسَانَ، فلما قَدِمَ على عثمانَ لَامَهُ فيما صَنَعَ، وكَرِهَهُ له. رَوَاهُما سَعِيدٌ، والأثْرَمُ (٩)، وقال البُخَارِىُّ: كَرِهَ عثمانُ أنْ يُحْرِمَ من خُرَاسَانَ أوَ كِرْمَانَ. ولأنَّه أحْرَمَ قبلَ المِيقَاتِ، فكُرِهَ، كالإِحْرَامِ بالحَجِّ قبلَ أشْهُرِه. ولأنَّه تَغْرِيرٌ بالإِحْرَامِ، وتَعَرُّضٌ لِفِعْلِ مَحْظُورَاتِه، وفيه مَشَقَّةٌ على النَّفْسِ، فكُرِهَ، كالوِصَالِ في الصَّوْمِ. قال عَطاءٌ: انْظُرُوا هذه المَوَاقِيتَ التي وُقِّتَتْ لكم، فخُذُوا بِرُخْصَةِ اللهِ فيها، فإنَّه عَسَى أن يُصِيبَ أحَدُكم ذَنْبًا في إحْرَامِه، فيكونَ أعْظَمَ لِوزْرِه، فإنَّ الذَّنْبَ في الإِحْرَامِ أَعْظَمُ مِن ذلك. فأمَّا حَدِيثُ الإِحْرامِ من بَيْتِ المَقْدِسِ، ففيه


= ٧/ ٢٣٥. وأخرجه عن على الحاكم، في: تفسير سورة البقرة، من كتاب التفسير. المستدرك ٢/ ٢٧٦. والبيهقى، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٣٠.
(٨) أخرجه البيهقى، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٣٠, ٣١.
(٩) الأول عزاه الساعاتى بتمامه للطبراني. الفتح الرباني ١١/ ١١٣. وأخرجه البيهقى بدون كلام عمر، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٣١.
والثاني أخرجه البيهقى، في الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>