للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن جاوَزَ المِيقاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غيرَ مُحْرِمٍ، فعليه أن يَرْجِعَ إليه لِيُحْرِمَ منه، [إنْ أَمْكَنَه] (١)، سواءٌ تَجاوَزَه عالِمًا به أو جاهِلًا، عَلِمَ تَحْرِيمَ ذلك أو جَهِلَه. فإنْ رَجَعَ إليه، فأَحْرَمَ منه، فلا شىءَ عليه. لا نَعْلَمُ في ذلك خِلَافًا. وبِه يقولُ (٢) جابِرُ بن زيدٍ، والحسنُ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وغَيْرُهم؛ لأنَّه أحْرَمَ من المِيقاتِ الذي أُمِرَ بالإِحْرامِ منه، فلم يَلْزَمْهُ شىءٌ، كما لو لم يَتَجَاوَزْهُ. وإن أحْرَمَ مِن دون المِيقاتِ، فعليه دَمٌ، سواءٌ رَجَعَ إلى المِيقَاتِ أو لم يَرْجِعْ. وبهذا قال مالِكٌ، وابنُ المُبارَكِ. وظاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أنَّه إن رَجَعَ إلى المِيقَاتِ، فلا شىءَ عليه، إلَّا أن يكونَ قد تَلَبَّسَ بشيءٍ من أفْعالِ الحَجِّ، كالوُقُوفِ، وطَوَافِ القُدُومِ، فَيَسْتَقِرُّ الدَّمُ عليه؛ لأنَّه حَصَلَ مُحْرِمًا في المِيقَاتِ قبلَ التَلَبُّسِ بأفْعَالِ الحَجِّ، فلم يَلْزَمْهُ دَمٌ، كما لو أَحْرَمَ منه. وعن أبي حنيفةَ: إنْ رَجَعَ إلى المِيقاتِ، فَلَبَّى، سَقَطَ عنه الدَّمُ، وإنْ لم يُلَبِّ، لم يَسْقُطْ. وعن عَطاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِيِّ: لا شىءَ على مَن تَرَكَ المِيقاتَ. وعن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ: لا حَجَّ لمن تَرَكَ المِيقاتَ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "مَنْ تَرَكَ نُسُكًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ". رُوِىَ مَوْقُوفًا ومَرْفُوعًا (٣). ولأنَّه أحْرَمَ دونَ مِيقَاتِه، فاسْتَقَرَّ عليه الدَّمُ، كما لو لم يَرْجِعْ، أو كما لو طافَ عندَ الشَّافِعِيِّ، أو كما لو لم يُلَبِّ عند أبي حنيفةَ، ولأنَّه تَرَكَ الإِحْرامَ مِن مِيقَاتِه، فلَزِمَهُ الدَّمُ، كما ذَكَرْنَا، ولأنَّ الدَّمَ وَجَبَ لِتَرْكِه الإِحْرامَ من المِيقاتِ، ولا يَزُولُ هذا بِرُجُوعِه ولا بِتَلْبِيَتِه،


(١) سقط من: أ.
(٢) في الأصل: "قال".
(٣) الموقوف أخرجه الإمام مالك، في: باب ما يفعل من نسى من نسكه شيئا، من كتاب الحج. الموطأ ١/ ٤١٩. والمرفوع عزاه ابن حجر، في: باب المواقيت، من كتاب الحج، لابن حزم. تلخيص الحبير ٢/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>