للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الفِطْرَةِ (١١) "، وذَكَرَ منها المَضْمَضة والاسْتِنْشَاق، والفِطْرَةُ: السُّنَّةُ، وذِكْرُه لهما مِن الفِطْرَةِ يدُلُّ على مُخَالَفتِهما لسائِرِ الوُضُوءِ، ولأنَّ الفَمَ والأَنْفَ عُضْوانِ باطِنانِ، فلا يَجِبُ غَسْلُهما كباطِنِ اللِّحْيةِ وداخِلِ العَيْنَيْنِ، ولأنَّ الوَجْهَ ما تَحْصُلُ به المُواجَهةُ، ولا تَحْصُلُ المُواجهةُ بهما. ولنا ما رَوَتْ عائِشةُ، رضىَ اللهُ عنها، أنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المَضْمَضةُ والاسْتِنْشاقُ مِنَ الوُضُوءِ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ". رواه أبو بكر (١٢) في "الشَّافِى" بإِسْنادِهِ عن ابنِ المُبَارَكِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عُرْوَة، عن عائشة، وأخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِى في "سُنَنِهِ (١٣) ". ولأنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَقْصِيًا، ذَكَرَ أنه تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، ومُدَاوَمَتُه عليهما تَدَلُّ عَلَى وُجُوبِهِما، لأنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أن يكونَ بَيَانًا وتَفْصِيلًا للوُضُوءِ المَأْمُور به في كِتابِ اللهِ [تعالى؛ لأنَّهما عُضْوان مِن الوَجْهِ، ولا يشُقُّ غَسْلُهما؛ لقولِه تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، وكالخَدِّ. مِن الدَّليلِ علَى أنَّهما في حُكْمِ الطَّاهِرِ أنَّ الصائمَ لا يُفْطِرُ بوَضْع الطعامِ فيهما ويفطرُ بوُصولِ القىْءِ إليهما، ولا تُنْشَزُ (١٤) حُرْمةُ الرَّضاعِ بوُصولِ اللَّبَنِ إليهما، ولا يجبُ الحَدُّ بتَرْكِ الخَمْرِ فيهما، ويجبُ غَسْلُهما مِن النَّجاسةِ] (١٥)، وكَوْنُهما من الفِطْرَةِ لا يَنْفِى وُجُوبَهُما، لاشْتِمالِ الفِطْرةِ على الواجِبِ والمَنْدُوبِ، ولذلك ذَكَرَ فيها الخِتانَ، وهو واجِبٌ، [وعَطْفُهما على ما ليسَ بواجبٍ، أو اقْترانُهما به، لا يَمْنَعُ الوُجوبَ، بدليلِ الخِتانِ، وقولهِ تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. والكتابةُ غيرُ واجبةٍ، والإِيتاءُ واجِبٌ] (١٦).


(١١) تقدم في المسألة ١٣، صفحة ١١٤.
(١٢) أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلى، المعروف بغلام الخلال، كان أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية، توفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. طبقات الحنابلة ٢/ ١١٩ - ١٢٧.
وكتابه "الشافى" في الحديث. انظر: كشف الظنون ١٠٢٢.
(١٣) في: باب ما روى في الحث على المضمضة والاستنشاق والبداءة بهما أول الوضوء، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ٨٤.
(١٤) أنشزه: رفعه، وركب بعضه على بعض، أي لا تثبت الحرمة.
(١٥) سقط من: م.
(١٦) سقط من: م. والآية هي الثالثة والثلاثون من سورة النور.

<<  <  ج: ص:  >  >>